ساندي بيرجر يجمع تذكاراته قبل مغادرة البيت الأبيض: غيرنا تعريف السياسة الخارجية.. وسأظل أتابع الشرق الأوسطواشنطن: باربرا سالفين*
حان الوقت لكي يجمع صامويل (ساندي) بيرجر تذكاراته من منحوتات افريقية وقبعات البيسبول من السفن الحربية الأميركية بالإضافة إلى صوره التذكارية مع القادة الأجانب. بدا مستشار الأمن القومي الأسبق في إدارة الرئيس بيل كلينتون في مزاج تأملي وهو يستعد للابتعاد عن الإيقاع السريع والمسعور للبيت الأبيض. في لقاء أجري معه اخيرا قال بيرجر، الذي يستعد لحزم حقائبه مغادرا قبل البداية الرسمية للإدارة الأميركية الجديدة، انه كم يتمنى لو أنجزت الأشياء التي لم يتمكنوا من إنجازها في السابق، مؤكدا اهتمامهم بمتابعة ما سيحدث في ما يتعلق بمسألة السلام في الشرق الأوسط. وحول هذا الجانب يقول ان مسؤولي الإدارة الأميركية المعنيين بهذا الشأن نجحوا في دفع مسألة السلام إلى ان أوشكت على إعطاء نتائج مثمرة. أضاف انه «راض عن الإنجاز الذي أحرزته الإدارة السابقة في هذا الجانب».
يرى بعض المحللين ان النجاح لم يحالف كلينتون خلال ولايته الأولى في جبهة السياسة الخارجية، لكنه نجح في تثبيت دعائم مستقرة لها خلال ولايته الثانية، رغم انه لا يزال يفتقر في ما يبدو إلى نظرة شاملة وعميقة لدور الولايات المتحدة في عالم يشهد متغيرات بسرعة مذهلة. وينعكس الافتقار إلى هذه النظرة الخاصة في الرجل الذي اختاره للإشراف على السياسة الخارجية.
لا يعتبر بيرجر مفكرا في وجهة نظر الكثير من أعضاء النخبة الأميركية المرتبطة بدوائر السياسة الخارجية، لكنه لا يعتبر ذلك نوعا من الإهانة. يقول بيرجر انه تجنب متعمدا ابتكار مصطلح جديد للدور الأميركي في العالم يحل محل «الاحتواء» الذي يلخص سياسة الولايات المتحدة المعادية للشيوعية التي بدأت غداة نهاية الحرب العالمية الثانية حتى انهيار الاتحاد السوفياتي.
ركز بيرجر،المحامي التجاري السابق والصديق المقرب من كلينتون، كل طاقاته في مساعدة كلينتون في ترتيب الأولويات واحتواء الشجار والتناحر الداخلي بين مسؤولي الإدارة الأميركية حتى يتمكن البيت الأبيض من أبراز وجه عام موحد ومنسجم.
ويعتقد دوجلاس برينكلي، المؤرخ الرئاسي والأستاذ بجامعة نيواورليانز، ان نخبة السياسة الأميركية «لم توف بيرجر حقه»، مضيفا ان بيرجر لا يقل شأنا عن مكجورج بندي، مستشار الأمن القومي خلال إدارتي كينيدي وجونسون، أو هنري كيسينجر، مستشار الرئيس نيكسون للأمن القومي، أو زبيجنيو بريزينسكي، مستشار الرئيس كارتر للأمن القومي. ويضيف برينكلي ان بيرجر عمل بمنتهى الحيطة والحذر في المسائل التجارية بين الولايات المتحدة والصين وروسيا وجانب من العلاقات الدبلوماسية مع فيتنام.
ويقول وزير الخارجية الأسبق بريزينسكي ان قوة بيرجر تكمن في علاقاته الشخصية والوثيقة مع كلينتون إلى جانب قيادته الفاعلة للجهود الجماعية من خلال قدراته المتميزة في التنسيق والإدارة. وفي اللقاء الذي اجري معه اخيرا قال بيرجر نفسه: ان الإدارة الأميركية غيرت تعريف السياسة الخارجية من «ما تقف الولايات المتحدة ضده» إلى «ما تهم الولايات المتحدة ببنائه على نحو تدفع فيه العولمة مصالح الولايات المتحدة في الحرية والديمقراطية والازدهار». كما أشار بيرجر في نفس اللقاء إلى التدخل في البلقان وتحسين العلاقات الاقتصادية مع الصين والاهتمام الأميركي بقضايا لم تكن تعتبر في السابق موضع اهتمام في مجال الشؤون الخارجية مثل وباء الايدز والهوة التكنولوجية بين العالم الصناعي المتقدم والدول النامية.
قال بيرجر انه ناقش هذه القضايا مع كوندوليزا رايس، التي عينها الرئيس المنتخب جورج بوش الابن مستشارة لشؤون الأمن القومي الأميركي، وكولن باول وزير الخارجية في الإدارة المرتقبة، مؤكدا انه أعرب لهما عن ثقته في انهما سيتكيفان مع عالم يختلف تماما عن حقبة الرئيس الأسبق جورج بوش التي عملا خلالها في السابق.
ويعتقد بيرجر ان ثمة واقعا صعبا يتطلب التعامل بنظرة أكثر شمولا و بصورة أكثر جدية. مشيرا إلى ان تعداد سكان القارة الأفريقية الذي يصل إلى 700 مليون شخص يعتبر فرصة لنمو وازدهار القارة ويعد في نفس الوقت مشكلة إذا اصبح الاضطراب وعدم الاستقرار هو الوضع السائد. وقال كذلك ان «استمرار اتساع الهوة بين الدول الفقيرة والغنية في وقت سهلت فيه تكنولوجيا الاتصال معرفة طبيعة هذه الهوة سيؤدي إلى إفراز المزيد من العداء والاستياء تجاه الولايات المتحدة». وفي نفس السياق علق قائلا ان «حماية الولايات المتحدة لشواطئها يعتبر اكثر من مجرد مسألة عسكرية»، كما أضاف ان الولايات المتحدة إذا لم تعالج مسألة المتغيرات المناخية، فانها ستجد شواطئها قد وصلت إلى مكان ما في الغرب الأوسط الأميركي».
ورغم ان بيرجر نجح في توسيع آفاق مصالح السياسة الخارجية الأميركية، فان الرئيس كلينتون تعرض لانتقادات واسعة، حتى من قبل بعض مؤيديه، بسبب انتهاجه سياسة خارجية خاصة بدلا من العمل على أساس مجموعة من المبادئ المتناسقة. يقول ليزلي جيلب، رئيس مجلس العلاقات الخارجية والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية إبان إدارة الرئيس الأسبق جيمي كارتر، ان الانتقادات في هذا الجانب تركزت في افتقار إدارة كلينتون إلى استراتيجية محددة، مشيرا كذلك إلى افتقار منتقديه إلى سياسة بديلة. يذكر ان بيرجر عمل مع كلينتون خلال حملة انتخابات الرئاسة للمرشح السابق مكجوفرن الذي فشل في الوصول إلى البيت الأبيض عام .1972 كان بيرجر يأمل في تعيينه وزيرا للخارجية الأميركية في حالة فوز آل غور كما أعرب عن رغبته في الاستمرار في مجال العمل العام رغم انه غير متأكد بعد من خطوته المقبلة