حماية حقوق الملكية الفكرية
بقلم » د. خالد بن سعد النجار
الإبداع الفكري له طابع حضاري متميز، ومن هنا تولد الحرص على ضرورة حمايته وتشجيعه. ولذلك قامت الدول بإعداد القوانين اللازمة لحماية الملكية الفكرية، وانخرطت في العديد من الاتفاقيات الدولية التي توفر الحماية القانونية والقضائية لها، كما أسست من أجل ذلك (المنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية ) التي تقوم بدور ريادي في هذا المجال، ويدل على ذلك عدد الدول الأعضاء في هذه المنظمة , وكذا العدد الكبير من المعاهدات الدولية التي تديرها المنظمة.... لقد أدى التطور في ميدان حقوق الملكية الفكرية إلى تغير النظرة إلى حقوق المؤلف، إذ أصبحت حقوقاً تكتسب أهمية دولية ، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي . بل لقد أصبحت هذه الحقوق الآن ، أداة فعالة في التنمية الاقتصادية ، وما ذلك إلا بسبب القيمة الاقتصادية الهامة للابتكارات والاختراعات
الإبداع ثروة
تزايد أهمية الإبداعات والابتكارات، جعل التنافس في المحيط التجاري المعاصر قائماً على المعارف والمعلومات والأفكار، فقد تحولت الطاقة الإبداعية والابتكار والمعارف والمعلومات إلى ثروات اقتصادية ثمينة، يقوم على أساسها اقتصاد جديد . مما استوجب توفير متطلبات جديدة لحماية هذه الحقوق بالشكل الكافي، على الصعيد الوطني والدولي . ونظراً لهذه الأهمية المتزايدة لحقوق الملكية الفكرية على المستوى الاقتصادي فقد أصبح عدم توفير الحماية للملكية الفكرية من معوقات الاستثمار الوطني والأجنبي .
ما هي الملكية الفكرية ؟
الملكية الفكرية هي ما ينتجه ويبدعه العقل والفكر، فهي الأفكار التي تتحول إلى أشكال ملموسة يمكن حمايتها، وتشتمل حقوق الملكية الفكرية على : ( حقوق الملكية الصناعية ) و ( حقوق الملكية الأدبية ) . وتشمل الملكية الصناعية بنوداً متعددة : كالاختراع، والرسوم , والنماذج الصناعية، والعلامات التجارية، والدلائل (المؤشرات) الجغرافية . كما أن الملكية الأدبية تشمل عدداً من البنود منها :المؤلفات ، وبرامج الكمبيوتر، والتصميمات للدوائر المتكاملة , المعلومات السرية ،والفنون ، والأشعار، والروايات ، والمسرحيات , والأفلام , والمصنفات الفنية مثل : الرسوم واللوحات الزيتية, والصور الشمسية, والمنحوتات والتصاميم الهندسية والمعمارية . وتشمل الحقوق المجاورة لحق المؤلف حقوق فناني الأداء في أدائهم ومنتجي التسجيلات الصوتية, والهيئات الإذاعية, في برامجها الإذاعية والتلفزيونية.
حقوق الملكية الفكرية
وتشبه حقوق الملكية الفكرية غيرها من حقوق الملكية فهي تسمح للمبدع أو مالك البراءة أو العلامة التجارية أو حتى المؤلف بالاستفادة من حماية المصالح المعنوية والمادية الناجمة عن نسبة النتاج العلمي أو الأدبي أو الفني إلى مؤلفه , كما تتقرر له حماية ضد أي تعد من الغير , وتعد هذه الحقوق جميعاً ذات قيمة مالية لمالكها التي هي نتاج إبداعه العقلي والذهني . فهي وإن كانت حقوقاً غير مادية أو غير ملموسة إلا أنها حقوقٌ ذات قيمة مالية, يدركها جل المتعاملين في التجارة الدولية, سواءً على المستوى المحلي أو العالمي، حيث تعتبر عُنصراً مهماً في أغلب هذه النشاطات .
أهداف الملكية الفكرية
لما كان تطوير أي منتج أو عمل يتطلب وقتاُ طويلاُ واستثمارات مالية ضخمة، لذلك نجد أن المبتكر يطالب بعائد على مجهوده , وذلك بحصوله على "حقوق الملكية الفكرية" حيث إنها تسمح لهذا المبتكر بوضع قيود على استخدام الملكية الفكرية الخاصة به، فعلى سبيل المثال: لا يتم السماح لأحد باستخدام, أو تصنيع, أو زراعة, أو بيع, أو عرض الابتكار دون أخذ تصريح من المبتكر. وهناك عدة أشكال من الحماية منها حقوق النشر والتأليف، والأسرار التجارية، والعلامات التجارية، وحقوق مربي النباتات، وبراءة الاختراع....وغيرها
أسباب حماية الحقوق الملكية الفكرية
وتبرز أسباب مختلفة تدفع إلى حماية حقوق الملكية الفكرية :
أولاً: يكمن تقدم البشرية ورفاهيتها في قدرتها على إنجاز ابتكارات جديدة في مجال التكنولوجيا والثقافة.
ثانياً: تشجيع الحماية القانونية لتلك الابتكارات الجديدة على إنفاق مزيد من الموارد لفتح المجال لابتكارات أخرى.
( ثالثاً ) يؤدي النهوض بالملكية الفكرية وحمايتها إلى دفع عجلة التقدم الاقتصادي, ويتيح فرص عمل وصناعات جديدة, ويرفع من نوعية الحياة وإمكانية التمتع بها.
حوافز حقوق الملكية الفكرية
ولذلك تمنح الدول حقوق الملكية الفكرية مكافأة للنشاط الإبداعي والجهود البشرية المبذولة في سبيل النهوض بالتقدم البشري, ومثال ذلك: يتجسد في تقديرات الدراسات التي تشير إلى أن ثلثي التطور الحديث في مجال الطب لم يكن ليتحقق لولا الحماية المضمونة للبراءات, التي تسمح بتمويل الأبحاث بفضل العائد المكتسب, ولولا الحماية الممنوحة بموجب حق المؤلف لما نشأت الصناعات الإعلامية المختلفة والتسجيل والتوزيع, وبرامج الحاسوب التي تحقق مليارات الدولارات, وتمتع الملايين من الأشخاص في جميع ربوع العالم , ولولا الحماية الدولية الوثيقة للعلامات التجارية وإنفاذ القوانين لمكافحة أعمال التقليد والقرصنة لما استأمن المستهلكون شراء المنتجات والخدمات .
تاريخ الملكية الفكرية
يرجع تاريخ حقوق الملكية الفكرية إلى سنة 1873 م, وبالتحديد في المعرض الدولي للاختراعات بفيينا حيث حدثت صدمة للقائمين على المعرض وللجمهور عندما امتنع عدد كبير من المخترعين الأجانب عن المشاركة. وكان السبب في الامتناع هو خشية هؤلاء المخترعين من أن تتعرض أفكارهم للنهب والاستغلال التجاري في بلدان أخرى.... لقد أظهرت هذه الحادثة الحاجة إلى توفير الحماية الدولية لبراءات الاختراع ( وللملكية الفكرية بوجه عام )، الأمر الذي كانت نتيجته انبثاق أول معاهدة دولية مهمة ترمي إلى منح مواطني بلد معين حق حماية أعمالهم الفكرية في بلدان أخرى.
إنها اتفاقية باريس بشأن حماية الملكية الصناعية والتي صدرت في 23 مارس عام 1883، ودخلت حيز التنفيذ في العام التالي، وأصبح بمقتضاها للملكية الصناعية حماية تتخذ شكل حقوق تعرف بمصطلحات محددة، وهي: «براءات الاختراع»، و«العلامات التجارية» و«الرسوم الصناعية».. كانت اتفاقية باريس مجرد البداية التي توالت بعدها الاتفاقيات والترتيبات على المستوى الدولي من أجل حماية الملكية الفكرية في شتى صورها (مصنفات فنية وأدبية.. الخ)، حتى أصبح لكافة شئون الملكية الفكرية منظمة دولية مكلفة بإدارتها، بإقرار من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بدءاً من 17 ديسمبر 1974، وهي المنظمة العالمية للملكية الفكرية ( والتي يشار إليها بالفرنسية بالمختصر OMPI وبالإنجليزية بالمختصر WIPO )
توسع نطاق الملكية الفكرية
وفي كل ما سبق من أحداث بخصوص الملكية الفكرية، بدءاً من معرض فيينا عام 1873 وحتى قيام المنظمة العالمية للملكية الفكرية عام 1974 كإحدى الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، كانت الرغبة في تشجيع الإبداع وحماية الفكر هي الروح الرئيسة الدافعة للارتقاء التنظيمي الدولي في شئون الملكية الفكرية، وذلك من أجل الصالح المشترك لكل من المبدعين وسائر البشر، في آن واحد . ثم لم يستمر هذا الوضع طويلاً حتى فوجئت الدول الأعضاء في مفاوضات اتفاقيات الجات بورقة مقدمة من الشركات العملاقة متعددة الجنسيات إلى سكرتارية الجات في جنيف (في يونيو 1988) بخصوص تضمين اتفاقيات الجات اتفاقية خاصة بما يسمى: «حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة». والجدير بالانتباه هنا أن هذه الشركات فرضت ورقتها على المفاوضات رغم عدم عضويتها في تلك المفاوضات ، حيث إن العضوية للدول . والجدير بالانتباه أيضاً أن ذلك قد تم من وراء منظمة وايبو (المنظمة العالمية للملكية الفكرية والتابعة للأمم المتحدة) .
كانت الشركات ذات النشاط الدولي ترغب في تأمين مستويات أعلى من الحماية للملكية الفكرية (وعلى وجه الخصوص لبراءات الاختراع والعلامات التجارية)، وصدرت - بالفعل - اتفاقيات الجات متضمنة اتفاقية لحقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة. والتي يطلق عليها اختصاراً اتفاقية «تريبس». ووقعت اتفاقيات الجات في إبريل 1994، ونشأت بموجبها منظمة التجارة العالمية World Trade Organization حيث بدأت مع أول يناير 1995 ممارسة أعمالها في السهر على (أو حراسة) تنفيذ اتفاقيات الجات، والتي صارت تعرف الآن باتفاقيات التجارة العالمية.
الدين يحمى أيضاً
وعلى المستوى الفقهي كانت فتوى لجنة الأزهر (1) في اختلاس الأفكار والنصوص واضحة، باعتباره سرقة قد يطول مقترفها حكم سرقة الأموال بتقدير وقياس الفعل، مع التمييز بين الاقتباس والسرقة، جاء في الفتوى:
«تفيد اللجنة بأن الاقتباس بكل أنواعه من كتاب أو مجلة أو مرجع جائز شرعاً، ولا شيء فيه، بشرط أن ينسب إلى مصدره وصاحبه عند الكتابة والتسجيل، ورده إلى مصدره الأصلي. أما النقل من كتاب أو مصدر أو مجلة عند التأليف ونسبة ما كتبه الكاتب، وما نقله عن غيره إلى نفسه فهذا أمر حرمه الشرع والقانون، وهو نوع من السرقة. أما النقل للأفكار وكتابتها وتطويرها وتزويدها بأفكار أخرى وتحديثها فليس في ذلك شيء، وذلك ينطبق على سرقة الأفكار والآراء العلمية والدينية بشرط أنه عند هذا السؤال تنسب الفكرة إلى مخترعها ومبدعها، وذلك لا يشبه في حكمه شرعاً حكم سرقة الأموال والمتاع من قطع اليد وإقامة الحد، وإن كان يجوز في ذلك التقدير إذا كان الحال كما جاء بالسؤال، والله تعالى أعلم ». والحال المقصود في السؤال هو «هل يشبه حكمها حكم سرقة المال والحلال، مع أنها أكثر خطورة من غيرها»، وحسب التقدير والمشابهة يطول سارق الأفكار والنصوص ما يطول سارق المال العيني من قطع أو حبس .
ويشير الشيخ زكي بدوي (2) كباحث في الفقه إلى حقيقة أن الفقهاء لم يتعرضوا لهذا النوع من السرقة من قبل، ولم يخرجوا بتفسير آية السارق والسارقة أبعد من السرقات العينية، وأشار إلى نقطة مهمة وهي أن المال الفكري لا يحفظ بصندوق أو بنك، وسارقه سارق علانية لا سارق سر، ويرى وضع عقوبة تعزيرية على مرتكبها، وورد في جواب الشيخ بدوي: « أن الفقهاء لم يتعرضوا لهذه المشكلة، إذ كان اهتمامهم منصباً على السرقات العينية، والتي جاء حكمها في آية «والسارق والسارقة.. الآية». أما السرقات الأدبية فلا ينطبق عليها تعريف السرقة الفقهي، التي تشترط أن يستولي السارق خلسة على ملك الغير بقصد تملكه. والمواد الفكرية والعلمية لا توضع في حرز ولا تؤخذ خلسة بل تقع السرقة علناً. هذا من جانب ومن الجانب الآخر فقد كانت السرقات الأدبية بمعنى سرقة فكرة معينة في قصيدة...، كما أن العلماء كانوا يقتبسون من كتابات غيرهم دون ذكر المصدر، إذ كانوا يرون العلم أمراً مشاعاً,حتى كانوا يفتون بعدم دفع أجر لمعلم القرآن مثلاً. كل هذا لأن الظروف الاجتماعية في الماضي كانت لا تمنح الأديب ولا المفكر ثمناً في مقابل إنتاجه. أما اليوم فالمقالات الأدبية والفكرية لها ثمنها، فهي إذن مادة ينبغي حمايتها من جانب الشريعة، فأنا أرى أن مرتكبها قد تلبس بجريمة ينبغي أن يعاقب عليها عقوبة تعزيرية، أي غير محددة، يقررها الحاكم ردعاً لعامة الناس من ارتكابها، والله أعلم» .
منقول للفائدة