تشمع الكبد من الامراض الشائعة في الوطن العربي، نتيجة للنسبة العالية من الاصابة
بالتهابات الكبد الفيروسية نوع»B»ونوع «C» . اما في الدول الغربية فان اهم اسبابه
عادة ما يكون تناول المشروبات الكحولية؛ وهذا المرض ليس جديدا حيث انه معروف منذ
القدم وكان اول من وصفه هو ارسطو طاليس في الاسكندرية عام 300 قبل الميلاد, حيث وصف
تشمع الكبد بانه كبد قاس مثل الحجر وذكر باْنه عادة ما يكون مصطحبا» بوجود حبن
«استسقاء».
اْما في الطب الحديث فكان اْول من استعمل كلمة تشمع الكبد
«Cirrhosis» هو لينيك laennec
عام 1819م واصفا الكبد المتشمع بعد تشريح الجثث
بصفاته الضمورية مع استسقاء ودوران جانبي وريدي.
ولكن Hanot بعد حوالي الخمسين
عاما من لينيك عام 1876 وصف تشمع الكبد بصورة اْخرى حيث اْكد اْن الكبد يكون
متضخما» مع وجود يرقان ولكن بدون استسقاء في البطن.
ثم جاء جيلبرت بعد ذلك
بسنوات وأوضح مشتركا» مع هانوت نفسه وجود نوعين من التشمع احدهما ضموري بدون
استسقاء والثاني تشمع كبدي ضخامي مع استسقاء.
ومن المعروف أن الكلمة باللغة
اللأنجليزية Cirrhosis هي اصلا» من الكلمة اللآتنية Kirros والتي تعني أصفرار
نسبة الى لون العقد الترميمية أو العقيدات المتجددة التي تكون موجودة في حالة
التشمع.
تعريف التشمع
التشمع هو مرض مزمن ومنتشر وخطير وغير قابل للتراجع, يتميز بتحطيم عام في مكونات
الكبد الخلوية وزيادة واضحة وكبيرة في الأنسجة الليفية مع نمو في بعض أجزائه وتكوين
العقد الترميمة «العقيدات المتجددة» بالأضافة الى أختلال في تكوينه الهندسي. والعقد
الترميمية «المتجددة» تنتج عن تكاثر في الخلايا الكبدية منتجة نسيجا» كبديا بأشكال
ومقاييس مختلفة وقد تكون وظيفة هذه الأنسجة المتجددة غير طبيعي «وتكون هذه العقد
محاطة بأنسجة ليفية».
تصنيف تشمع الكبد
هناك محاولات كثيرة لتصنيف تشمع الكبد ولكن فلنأخذ التصنيف الأسهل والمعتمد على
الأساس التشريحي والوصفي :
أ- تشمع صغير العقيدات :حيث يبلغ قطر العقد الترميمة
أو العقيدات المتجددة «1ملم» واحد مليمتر أو أقل وعادة مايكون سببه الكحول..
ب-
تشمع كبير العقيدات: حيث يمكن أن يصل حجمها الى عدة سنتمترات ونسبة حدوث السرطان
تكون أكثر من النوع السابق:
ج-تشمع مختلط ,صغير و كبير العقيدات .
ومن الجدير
بالذكر أن هذه الانواع المذكورة أعلاه تعبر عن نفس المرض وليست أمراضا» مستقلة وقد
تدل على مراحل لتطورا لأحداث في التشمع نفسه.
و يجب أن نعلم أن التشخيص الأكيد
لتشمع الكبد يتم عن طريق خزعة الكبد والتي يجب أن يتوفر فيها ثلاثة
علامات:
- النخر Necrosis .
- التليف Fibrosis.
- وجود العقد المتجددة
Nodular Regeneration.
هذا ويعتبر ضياع الأنتظام الخلوي في الكبد نتيجة العقيدات
المتجددة أهم العلامات الثلاثة المذكورة حيث أن عامل تأذي الخلية الكبدية و
«النخر» هو عامل غير ثابت وفي بعض التشمعات تبدو الخلايا طبيعية ووظائف الكبد
كذلك:
أسباب تشمع الكبد
أولا - التهابات الكبد الفيروسية: وهي أهم الأسباب
المؤدية الى التشمع في البلدان الشرق أوسطية. و يقدر أن حوالي 10% من سكان بعض
مناطق العالم العربي والأسلامي حاملون للفيروس «B» وأن نسبة أخرى منهم يحملون
الفيروس»C». هذا ويقدر أن حوالي العشرة بالمئة 10% من مرضى التهابات الكبد
الفيروسية نوع «B» سيتحول مرضهم الى التهاب كبدي مزمن, وأن البعض من هؤلاء سينتهي
بهم المطاف الى تشمع الكبد . ونادرا ما يتحول الى سرطان الكبد بعد سنوات طويلة من
التشمع .
أما في حالات التهاب الكبد نوع «C» فيعتقد أن ما يزيد عن خمسين بالمئة
«50%»من المرضى سوف يتحول مرضهم الى التهاب كبدي مزمن والذي قد يتحول عند بعضهم
بعد فترة من الزمن الى تشمع في الكبد ونسبة قليلة منهم قد ينتهي بهم المشوار
بسرطان في الكبد.
وهذا الفيروس الذي يعتبر ميكروب صغير جدا» ربما يسبب التهابا»
حادا ويعطي كل الأعراض المعروفة لذلك المرض, وفي هذه الحالة يتم تشخيصه مبكرا
ولكن توجد حالات أخرى نسبتها عالية تكون التهابات طفيفة قد لاينتبه لها الطبيب أو
المريض لكنها تسبب التهابا» مزمنا وتنتهي بتليف الكبد ثم تشمعه
ثانيا- التهاب
الكبد الكحولي : يعتبر تناول الكحول من الأسباب الهامة لتشمع الكبد خاصة في الدول
الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية ... هذا ويقدر باْن أكثر من «10%» ممن
يتعاطون هذه المشروبات لفترة طويلة سوف ينتهي بهم الأمر الى تشمع كبدهم.
وعادة
ما يحدث التهاب الكبد الكحولي بعد أكثر من خمسة سنوات من الأفراط في تناول الكحول
الا أنه قد يظهر عند بعض الاشخاص خلال سنة واحدة فقط من افراطهم في تناول هذه
المشروبات الكحولية.
ولكن بشكل عام كلما طالت فترة تناول الكحول كلما زادت كمية
استهلاكه وبالتالي زيادة احتمال حدوث الالتهاب وتشمع الكبد.
هذا ومن الجدير
بالذكر بأن التهابات الكبد وتشمعه عند المدمنين على المشروبات الكحولية تحدث اما
بالتاثير السام المباشر للمادة الكحولية على الخلايا الكبدية, أو كنتيجة لأهمال
تناول الطعام المتكامل ويكون تركيزهم على المشروبات الكحولية للحصول على الطاقة
الحرارية اللازمة لهم ....وقد يكونون غير قادرين من الناحية المادية على الحصول
على الطعام المتوازن والجيد لأنهم ينفقون كثيرا» جدا على تناول الخمر, وهذا مايؤدي
الى سؤء التغذية التي عادة ما يتعرض لها جزء كبير منهم, وسوء التغذية هذا يكون
عاملا مساعدا آخر لتشمع الكبد.
ولقد لوحظ في بعض الدراسات أن هناك زيادة في
تكاثر الجراثيم «Bacterial Overgrowth» في امعاء مرضى تشمع الكبد الكحولي وخاصة عند
المرضى الذين يعانون من الحبن «الاستسقاء» وفشل كبدي متقدم . هذا هو مالوحظ في
حوالي 33% منهم ويعتقد أنه قد يكون السبب في الألتهاب الذي يحدث للحبن «الأستسقاء
«Peritonitis » الخطير , حيث أن هذه الجراثيم قد تصل ألى الدم عن طريق الدوران
الجانبي بدون المرور عن الكبد .
هذا ويعتقد ان حوالي« 65%» من حالات تشمع الكبد
في الولايات المتحدة الأميركية هي ناتجة عن تناول المشروبات الكحولية.... ويعتقد أن
تشمع الكبد هناك السبب التاسع للوفاة.
ثالثا- مرض البلهارسيا: يعيش دود
البلهارسيا البالغ داخل دم الأنسان.... وفي غياب العلاج يمكن لهذه الدودة «الصغيرة
الحجم جدا»» أن تعيش لمدة قد تصل ألى أكثر من خمسة عشر سنة. وتضع الأنثى بيضها داخل
جسم الأنسان ويخرج الآف البيض مع البول والبراز, وأذا وصل هذا البيض ألى الماء فأنه
يفقص وتخرج منه ديدان صغيرة جدا» تبحث عن القواقع لتعيش فيها وبعد مدة تخرج منها
الأطوار المعدية للأنسان , وأذا لامس الأنسان هذا الماء الملوث بالأطوار المعدية
للبهارسيا فانها قد تخترق الجلد وتدخل الى الدم وهناك تتحول الى الديدان البالغة
وتعتبر البلهارسيا سببا» هاما من أسباب تليف و تشمع الكبد في بعض الدول العربية
مثل»مصر-اليمن- وبعض المناطق في السعودية وسورية و العراق .
اما في الأردنفلقد
بدأ اكتشاف بعض الحالات من البلهارسيا في السبعينات واستمر بن الحين والآخر اكتشاف
حالات متفرقة وذلك نتيجة عدة ظروف وعوامل من بينها زيادة عدد العمالة الأجنبية
الوافدة من مناطق يكثرفها المرض المذكور,بالأضافة الى صعوبة القضاء التام على
القواقع الناقلة للمرض المتواجدة في عدة مواقع مائية هامة ولأن البعض وخاصة الأطفال
ما زالو يتمتعون «ولسوءالحظ» في اللعب أو السباحة في البرك والمستنقعات ,هذا
وتناقلت بعض الصحف في النصف الاول من عام 1997م حدوث بعض الاصابات بالبهارسيا عند
بعض المواطنين الاردنيين في منطقة غور الصافي.
ومن المعروف ان البلهارسيا تنتقل
عن طريق الماء الملوث وتدخل الى الجلد ومنه الى الاوعية اللمفاوية فالدموية حتى تصل
الى الوريد البابي وتنمو وتتكاثر في الاوردة وتتخلص من بيضها عن طريق البراز والبول
الا ان قسما من بيوضها يذهب الى الكبد ويسبب تضخم في الكبد ثم في الطحال. وقد تنتهي
الاصابة بتشمع الكبد بكامل مضاعفاته ومن بينها دوالي المريْ.
ولقد لاحظت خلال
فترة عملي في دول الخليج أن كثيرا من حالات المرضى المصريين واليمنيين العاملين
هناك كانت انتكاسات ومضاعفات مرضهم( مثل نزيف دوالي المريء, اليرقان , استسقاء
البطن ... الخ) في تشمع الكبد المشخص سابقا بأنه نتيجة بلهارسيا كان المريض حاملا
في نفس الوفت لفيروس التهاب الكبد نوع»B « او نوع «C» مما قد يعطينا الانطباع بان
الانتكاسة الخطيرة كانت نتيجة العدوى بالفيروس «B « او»C» لمريض يشكو من
البلهارسيا سابقا.
رابعا- الانسداد الصفراوي المزمن : الذي قد يؤدي الى مايسمى
بالتشمعات الصفراوية حيث ان استمرار الاحتقان والانسداد في هذه القنوات داخل الكبد
سوف يؤدي الى تحطيم في الخلايا وزيادة في الالياف والنسيج الضام التي سوف تحيط
بالقنيات «القنوات» الصفراوية وتبدا بتشكيل تجمعات وشبكات ليفية .واذا استمر هذا
الانسداد الصفرواي ورافقه التهابات في الاوعية المرارية او تخرشات فان الشبكات
الليفية سوف تقوم بتكوين عقد ترممية «متجددة» تمتد الى المسافات البابية ويحدث
اختلال كبير في التكوين الهندسي للكبد.
وفي هذه المرحلة الاخيرة من تطور التشمع
الصفراوي يكون قد ظهر الوجه الكامل التشريحي و السريري للتشمع الكبدي
المعروف.
اما اسباب التشمع الصفراوي فيمكن ان يكون :
أ- انسداد صفراوي مزمن
داخل الكبد : نتيجة ركود اوانتان لم يتراج بالمعالجة الطبية
ب- انسداد صفراوي
مزمن خارج الكبد : يكون نتيجة تضيق,انسداد او ورم وقد يتعقد هذا الانسداد بالتهابات
جرثومية . ومن المعروف ان الانسداد خارج الكبد قد يكون مترددا وغير كامل وقد يظهر
بنوبات متكررة.
خامسا- الكبد القلبي المزمن : ينتج عن فشل القلب تورم واحتقان
في الكبد حيث يكون متضخما مليئا بالدم وقد يكون مؤلما». وهذا قد يؤدي الى تحطيم في
خلاياه وتكاثر وزيادة في الأنسجة الليفية وقد ينتهي الى تليف الكبد مع عقيدات
تجددية واضطراب المسافات البابية.
سادسا- سؤء التغذية: هو من الاسباب الهامة في
المجتمعات الفقيرة وعادة ما يكون مصطحبا بعوامل أخرى مثل الالتهابات الفيروسية أو
البيكتيرية وغيرها.... هذا ومن المعروف أن نقص المواد الاولية الزلالية وخاصة
الأحماض ألامينية يسبب ترسب المواد الدهنية وتليف الاوعية الدموية بالكبد مما قد
ينتهي بها الأمر الى التشمع. ويعتبر مرض «كوار شيركور» النموذج لاصابة الكبد
التشمعية من منشأ سوء التغذية.
سابعا-التناول المستمر لبعض الأدوية والعقاقير:
ان الادوية تعتبر من الاسباب المعروفة لالتهابات الكبد الحادة او المزمنة....والبعض
منها قد يؤدي الى تليف وتشمع الكبد اذا استمر بها المريض بتناولها.
هذا و أن
تأثير الادوية على الكبد قد يكون اكثر ضررا» اذا تصادف مع عوامل اخرى ضارة به مثل
تناول الكحول او العدوى بفيروسات الكبد المعروفة.
ومن المعروف ان تاثير الادوية
على الكبد اما ان يكون باصابة الخلية الكبدية مباشرة وأما بالتأثير على الدوران
الصفراوي فيركد ويتوقف....وفي بعض الادوية قد تحصل الاصابة بالاثنين
معا»..
ثامنا-الامراض الوراثية: هناك امراضا وراثية نادرة ولكنها قد تكون سببا»
في تشمع الكبد من بينها: مرض نيمان بك, مرض جوشر «Gaucher» مرض ويلسون, ومرض التشمع
الصباغي «الصباغ الدموي».
مرض ويلسون: وهو ورض وراثي عائلي نادر الحدوث ينتج عن
ترسبات ذرات النحاس في الكبد والدماغ كنتيجة لزيادة امتصاص النحاس داخل الامعاء
وتناقص اطراحه من الكبد ويبنى تشخيصه على زيادة النحاس في البول او نقص في كمية
السيرولوبلازمين«وهو البروتين الحامل للنحاس في المصل »وكذلك باكتشاف ارتفاع تركيز
النحاس في الكبد . هذا وفي بعض الحالات وعند فحص العين بواسطة الضوء فاننا نجد
دوائر قيصر وفليشر«وهي ترسبات حبيبية مصطبغة في غشاء القرنية».
مرض داء الصباغ
الدموي« التشمع الصباغي Haemochromatosis » : وهو مرض مزمن يتميز بترسب أصبغة
الحديد في انسجة الجسم المختلفة وهذه الترسبات تؤدي الى تليف الاعضاء وعدم قدرتها
على اداء وظائفها الحيوية, وفي اغلب الحالات يتلون جلد المريض بشكل تدريجي ليصبح
لونه برونزي, ويرافق ذلك اعراض التهابات المفاصل, قصور القلب وداء
السكري.
تاسعا- حالات تشمع مجهولة الأصل: وللآن ونحن في القرن الواحد والعشرين
هناك حالات من تشمع الكبد لا يستطيع العلم الحديث تحديد أو معرفة أسبابها ونسميها
نحن الأطباء بحالات تشمع الكبد مجهولة السبب «cryptogenetic cirrhosis ».