الانثروبولوجيا والثقافه الاسلا ميه

القيروان: شكلت الندوة العلمية الدولية الثالثة للأنتروبولوجبا البيولوجية و الثقافية التي إحتضنتها مدينة القيروان في نطاق الاحتفالات بها عاصمة للثقافة الإسلامية لسنة 2009 حول موضوع "الانتروبولوجبا في الثقافة الإسلامية"، محطة هامة للباحثين و المتخصصين و المهتمين بهذا الفرع المتميز من التخصصات العلمية لتبادل المعلومات و نتائج البحوث و الدراسات المنجزة و على الإضافات التي قدمها الرواد المسلمين في هذا المجال.

فدراسة الإنسان و فهمه في كل أبعاده يشكل الهدف الرئيس لعلم الأنتروبولوجبا الذي تطور على مدى العصور، و اتسع ضمن عديد الفروع البيولوجية و الثقافية التي تواكب حاليا أحدث مناهج البحث العلمي و تقنياته. و إذا لم تقع مواكبة التطور السريع لبعض فروع هذا العلم خلال السنوات الأخيرة لم في العالمين العربي و الإسلامي بالقدر الكافي، فقد استطاعت ندوة القيروان التي جمعت مجموعة نيرة من الخبراء و الباحثين و المتخصصين في هذا العلم من تونس و خارجها أن تنفض الغبار على عديد الجوانب المتصلة بمدى تجذر هذا العلم لدى المسلمين التي ظلت مخفية على امتداد قرون.
و فضلا عن إغناء المكتبة الإسلامية ببحوث و دراسات متخصصة حول الانثروبولوجيا في الثقافية الإسلامية و تمكين المهتمين من الإطلاع على جذور هذا العلم في التراث الثقافي العربي الإسلامي، من خلال عملية وصل بين الماضي و الحاضر و نظرة مستشرفة للمستقبل، فقد كانت هذه الندوة سانحة للمشاركين فيها لإعادة الاعتبار لأعلام مسلمين و لو بشكل جزئي حالت نزعة المركزية الغربية دون الإعتراف بجهودهم في التأسيس للعلوم الاجتماعية مثل ابن خلدون.
كما مكنت الندوة من الإبتعاد عن الأدوات و النظريات و المناهج الإسقاطية المتحيزة، التي كشف تهافت الدراسات الأنثروبولوجية للمجتمعات و التاريخ الإسلامي، أنها كانت موظفة في جانب كبير منها لأغراض استعمارية أو كانت متأثرة بما قام به النقديون الجذريون، أو ما يعرف بفريق أنثروبولوجيا الإسلام في تحليلهم للتاريخ الإسلامي و النصوص التراثية الإسلامية و التي ما زالت تسهم إلى يوم الناس هذا في تشويه صورة الإسلام و المسلمين، و في تشكيل الوعي الجماعي للمجتمعات الغربية تجاه الإسلام والحضارة الإسلامية.

حضور متميز للمسلمين في أحد أهم التخصصات العلمية التي تعنى بالإنسان
لقد استطاعت هذه الندوة التي نظمتها المنظمة الإسلامية للتربية و الثقافة و العلوم (الإيسيسكو) و الجمعية التونسية لعلم الانثروبولوجيا بالتعاون مع وزارة الثقافة و المحافظة على التراث و جامعة سوسة الانتروبولوجبا و شارك فيها مفكرون و باحثون من تونس و المغرب و الجزائر و مصر و سوريا و الكويت و تركيا و ايران قدموا خلالها ما يزيد عن ثلاثين مداخلة ضمن خمس جلسات علمية، من مزيد الغوص في تجذر هذا العلم في الحضارة العربية الاسلامية.
فعلم الإنسان أو علم الأنثروبولوجبا، الذي يدّعي الغرب أن علم نابع من أرضه، لم يعرف لديه إلا منذ قرنين من الزمان بينما، هو علم عربي إسلامي أصيل و هو ما بينته المحاضرات التي قدمت خلال الجلسة العلمية الأولى حول إسهام العلماء المسلمين في التأسيس للعلوم البيولوجبة، و بينت البعد الأنثروبولوجي في التحليل الخلدوني، و علاقة الجاحظ بالانتروبولوجيا، و منزلة الإنسان في الثقافة العربية الاسلامية من خلال كتابي: "الذريعة إلى مكارم الشريعة" و "تفصيل النشأتين و تحصيل السعادتين" للراغب الأصفهاني، كما تم التعرف على أنتروبولوجبا التنشئة الاجتماعية من خلال "سياسة الصبيان وتدبيرهم" لابن الجزار و في " التدبير و القانون في الطب " لابن سينا.
و قدمت خلال الندوة أيضا دراسات في الانثروبولوجيا الثقافية، عبر تحليل الرموز الأنتروبولوجية في الثقافة الإسلامية من خلال ثنائية المقدس و المدنس بين الثقافة الدينية و الثقافة الشعبية، و صور الإنسان بين البيولوجي و الثقافي في الشعر العربي، و رمزية أداب الطلب و السماع من خلال دراسة النسق التعليمي الاسلامي الوسيط.

ثراء الماضي لاستشراف المستقبل
و تناولت المحاضرات المقدمة ضمن محور المنظور الإسلامي بين الثقافات و المجتمعات الإنسانية، بالتحليل المفاهيم و المعطيات الانثروبولوجية الواردة في القرآن الكريم و السنة النبوية، من خلال ابحث منزلة الإنسان في القرآن، و من منظور الشريعة الإسلامية و في الفقه الإسلامي، إلى جانب منزلة الإنسان لدى المتصوفة، و المفهوم الانثروبولوجيا للأمة في كتاب الله العزيز و التعدد الثقافي و تجلياته في العلوم الإسلامية.
و إلى جانب هذا التعمق في مدى تجذر هذا العلم لدى المسلمين، فقد كانت الندوة مناسبة للإطلاع على جملة من البحوث في الانثروبولجيا البيولوجية و الطبية، و قراءة نتائج دراسات أنثروبولوجية لعينات من مختلف جماعات الشعب المغربي، و الترابط التراثي بين شعوب شمال أفريقيا و الخليج العربي استنادا إلى نتائج تحليل الحمض النووي لكروموزوم y، إلى جانب البحث عن أصل شعوب ما قبل التاريخ التي استوطنت بشمال افريقيا باعتماد منهجية علمية حديثة تعتمد تحليل الحمض النووي القديم، و دراسة التنوع البيولوجي لشعوب الشرف الأوسط.
و قد أمن المداخلات المتميزة المقدمة في الندوة أساتذة و دكاترة و باحثين جامعيين و خبراء على غرار عماد حسين محمد و فاطمة الزهراء من مصر و المولدي اليوسفي و محمد الجويلي و محمد البدوي و محمد بالطيب من تونس، و عبد القادر بخوش من الجزائر و محمد رضا فرطوسي و حسن عصمتي من ايران و أوزغال كوبانوقو و مصطفى تاكين من تركيا و يوسف كنجو من سوريا و سعاد الفضلى من الكويت.
و انتظم على هامش الندوة معرض لخطاطين و رسامين شاركوا بلوحات ابداعية تبرز اهمية الجانب الانثروبولوجى فى الثقافة الإسلامية.


--------------------------------------------------------------------------------

التوصيات الصادرة عن الندوة
دعا المشاركون فى الندوة العلمية الدولية حول "الأنثروبولوجيا فى الثقافة الإسلامية" التي إحتضنتها القيروان من 9 الى 11 أفريل الجاري و المدرجة ضمن إحتفالية "القيروان عاصمة الثقافة الاسلامية" إلى اصدار معجم متعدد اللغات يعنى بضبط مصطلحات علم الإنسان / الأنثروبولوجيا / لتفادى الخلط المفاهيمى فى هذا الحقل العلمي التخصصي و تجاوز التناقضات المطروحة في المعالجات الأنثروبولوجية المختلفة لقضايا الانسان فى العالم الإسلامى.
كما دعوا المؤسسات العلمية و التربوية إلى تعزيز الاهتمام بتدريس الأنثروبولوجيا الإسلامية و إحداث وحدات للدراسات العليا فى جامعات العالم الإسلامي تعنى بهذا العلم و تكون مختصين فيه و حثوا على إنشاء قاعدة بيانات للباحثين فى العلوم الاجتماعية و الإنثروبولوجية فى العالم الإسلامي للإستفادة من إنتاجاتهم العلمية فى هذا المجال و تمكينهم من تبادل التجارب و الخبرات فيما بينهم.
و دعوا إلى تأسيس هيئة أكاديمية تضم الباحثين المسلمين فى علم الأنثروبولوجيا لتعزيز العمل الثقافى الإسلامى المشترك فى هذا المجال و طالبوا بترجمة المؤلفات المرجعية فى الأنثروبولوجيا الثقافية للإستفادة منها فى العالم الإسلامى مع العمل على إنضاج قواعد رصينة لإنثروبولوجيا جديدة متحررة من قيود المشاريع الغربية التى وظفت لأغراض إستعمارية لعقود طويلة مؤكدين على ضرورة التعريف بالأعلام المسلمين الذين أسهموا فى التأسيس للعلوم الاجتماعية.