سبقني إلى هذا العنوان ذات يوم أحمد ذكي عندما قام ببطولة فيلم يحمل هذا العنوان مع آثار الحكيم , كانت الأحداث تدور حول فتى ذكي و مجتهد و لكن مايعيبه من وجهة نظره هو أن والده يعمل في دفن الأموات ( تربي ) , و قد كبر الإبن و قام بخطبة آثار الحكيم - و هي من علية القوم - و التي صارحها بحقيقته منذ البداية و لكن لم تكن الحقيقة كاملة بل كان يبرز كل ما هو جيد و جميل و يحاول إخفاء ماهو قبيح من وجهة نظره , و في النهاية و عندما اتضحت الصورة كاملة لآثار الحكيم انفصلت عنه و كانت كلمة النهاية مع تتر الفيلم .
في شهري يوليو و سبتمبر من كل عام يأتي إلى كليتي طلبة أجانب من مختلف الدول و نصطحبهم إلى الأماكن و المزارات السياحية في دولتنا الحبيبة , إنهم يقضون في مصر شهرا كاملا يعيشون فيه مع مجتمع و في بيئة قد يرونها للمرة الأولى إلا من خلال التلفاز أو الإنترنت.
دعونا نفترض أن ضيفا يزورنا في البيت للمرة الأولى و نحن نعلم جيدا أن أحد الحوائط في المنزل يحتوي على شرخ كبير و ملفت للنظر , لذا فنحن نحاول إخفاء هذا الشرخ بأية طريقة , و إن لم نستطع فسنحاول البحث عن أيه مبررات لوجود هذا الشرخ في حالة سؤال هذا الضيف عنه و حتى إن لم يسأل.
سافر هؤلاء الطلبة مرات عديدة إلى القاهرة عبر الطريق الصحراوي , فهو طريق ظريف و رائع كما أنه سريع ولا يحتوي العديد من تلك التي نطلق عليها " المطبات " , و في أحد الأيام سافر معي هؤلاء الطلبة إلى القاهرة و اقتضت الظروف أن نذهب عبر الطريق الزراعي الممتليء بهذه المطبات لأسمع تأوهاتهم عندما نعبر أي من هذه المطبات التي اعتدنا عليها , فلم نكن لنحس بوجودها إلا عبر تأوهاتهم . في هذه اللحظات أحسست أن لي دور في هذا , يجب أن أفعل شيء , يجي أن أجد حل ..... بدأت في الحديث مع الطلبة عن هذا الطريق الذي يطل على أراض زراعية خضراء كثيرة يمكنهم الإستمتاع برؤيتها , و ليست صحراء صفراء كمثيلتها على الطريق الآخر , كما بدأت أوضح لهم أن هذه المطبات قد قامت حكومتنا بعملها لأنها تخاف على مواطنيها و تهتم بسلامتهم أثناء عبور هذا الطريق الذي يطل على مدن و قرى عديدة .
ما ظهر بعدها على وجه هؤلاء الطلبة أنهم يبدوا و كأنهم مقتنعين بما أخبرتهم به و قال لي أحدهم أنها فكرة جميلة و عملية بعض الشيء كما بدأوا بالفعل في النظر و الإستمتاع بالأراضي الزراعية و التقاط بعض الصور لها , و لكن ما أحسسته هو أني مخادع و لم أخبرهم بالحقيقة كاملة إن لم يكونوا على علم كامل بها , و أنهم فقط يهزون رؤوسهم تعاطفا معي !!!!
أثناء هذه الرحلة كانت معنا فتاة مصرية تدرس في كلية الصيدلة و من عائلة كريمة و ميسورة , والدها طبيب و مدرس في كليتنا , و أثناء السير على أحد الكباري و الذي كانت إحدى حارتيه تحت التجديد في حين أن الثانية تعمل و بكل كفاءة , ولكن الطبيعي أن تكون سرعة السيارات أبطأ منها في حالة استخدام الحارتين , إذ بي فجأة أجدها تصرخ في استياء كامل ( بيعملوا إيه دول بس ياربي ) . في هذه اللحظة تمنيت أن أكون أباً لهذه الفتاة و لو للحظة واحدة ألطمها فيها على خدها لطمة واحدة فقط , و لكن سبحان الله الذي ألهمني الصمت و الصبر في هذه اللحظة .
كنت أتحدث في الأمس مع بعض هؤلاء الطلبة عن عدم صحة مصطلح " الدقائق المصرية " - و الذي فوجئت أنه مصطلح عالمي و له شهرة واسعة - و أنها تختلف فقط في تفاعل بعض الناس لكونهم متأخرين و كان قد بدأ الإقتناع بوجهة نظري يبدو على وجوههم - و إن كان اصطناعا منهم - في حين أن هذا الحوار دار بيني و بينهم في الوقت الذي كان من المفترض أن يأتي فيه أحد الطلبة المصريين لإصطحابهم لأحد المقاهي و كان موعده في التاسعة و ذهب إليهم في العاشرة و عشرة دقائق !!!!
لا أعرف إن كان ما أفعله صحيحا أم أنه الخطأ بعينه , أنا لا أقصد خداعهم , كما أعتقد أنهم ليسوا بهذا القدر من البلاهة ليصدقوا كل ما أقول حتى و إن ظهر الإقتناع على وجوههم , و هذا هو حال شعبنا و دولتنا , كما أن قلبي يعتصر و أنا أبرر لهم مثل هذه الأشياء , لا أدري إن كان ما أفعله صحيحا أم خطا , فهذه دولتي و هذا شعبي كما أ