كرامتي ليست للشراء

كرامتي ليست للشراء
السلام عليكم

منذ ما يقارب الثلاثين عاماً , في مطلع الثلاثينات كان أبي –رحمة الله عليه- يعمل في أحد شركات البترول و التي كان راتبه بها بالدولار, وفي هذه الآونة كانت أسرته مكونة من زوجة و طفلين. كان لأبي رئيس فرنسي في موقع العمل و الذي كان يكره أبي بدون أي أسباب , و في أحد الأيام استفذ هذا المدير أبي لدرجة عالية و بدأ بالكلام باللغة الفرنسية علماً بأن اللغة المعترف عليها في هذا العمل هي الإنجليزية و طلب أبي من هذا المدير أن يتحدث بالإنجليزية , و لكنه رفض ساباً أبي بالإنجليزية , قال له أبي "تعالى هافهمك حاجة" , و عندما اقترب منه المدير , مسكه أبي من رابطة عنقه لاطماً إياه لطمتين على وجهه قائلاً " يعني انتا ضيف في بلدنا و كمان عايز تتحكم فينا و تشتمنا ". بعد هذا الموقف بدقائق قدم أبي استقالته و ترك العمل , و في خلال أسبوعين طلبته إحدى الشركات الكبرى في مجال البترول في ذلك الحين عندما علمت باستقالته.

تزامنت هذه الآونة مع اجازة أخر العام و عودة المغتربين المصريين من العمل بالخارج , و من ضمنهم فردين من أقاربنا يعملان في دولتين شقيقتين, و أخذا يتحدثان عن الإهانة و الذل اللذان يتعرضان له هناك , و أخذ كل منهما يروي قصته و أنه يتحمل في سبيل أولاده و بيته, و عندما جاء دور أبي و قص قصته , كانت من هنا علامات التعجب و الإستنكار لما فعله ذلك المجنون –من وجهة نظرهم- و كيف يفرط في فرصة عمل مثل هذه و في مرتب كهذا و كيف و كيف و كيف ؟!!! كان رد أبي قاطعاً " ما أقدرش أشتري كرامتي بالفلوس لأني مش مسعرها , الرجالة هيا اللي بتعمل الفلوس , مش الفلوس هيا اللي بتعمل الرجالة. "

أذكر يوم وفاته حين فوجئنا باتصال من أحد الأقارب و زوجته من بعيد جداً – مجرد صلة نسب تجمعنا- و الذين قابلوه ما لا يزيد عن عشرة مرات طيلة فترة حياته قائلين لنا في الهاتف " راجل يتحزن عليه".

أبي ... أحبك جداً .... و كرامتي أنا الآخر ليس لها سعر في سوق البيع و الشراء.

[b]