أستاذ نزيه أبو نضال بعد أكثر من أربعين كتابا وأربعين عاما

أستاذ نزيه أبو نضال بعد أكثر من أربعين كتابا وأربعين عاما من الكتابة كيف تقدم نفسك ككاتب من خلال إصداراتك؟

* البداية كانت في منتصف الستينات، من جامعة القاهرة حيث نشرت مبكرا في مصر قصصاً ومقالات نقدية، في مجلات "القصة" و"الثقافة" و"مجلة الأدب العربي"، كنت ربما لا زلت أبحث عن طريقي في الكتابة، ثم توقفت هذه المحاولات عدة سنوات بسبب انخراطي في صفوف الثورة الفلسطينية، وعادت مجدداً في أوائل السبعينات حين أصبحت رئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين في لبنان لمدة عشرة سنوات وذلك من خلال انشغالي السياسي الإعلامي والنقابي بسؤال: ما هي وظيفة الأدب ودوره في المعركة الوطنية، وللإجابة على السؤال ساهمت في إصدار مجلة الرأي الثقافية اللبنانية مع ناجي علوش ومنير شفيق وآخرين، كما أصدرت كتابين هما: "الشعر الفلسطيني المقاتل" و"جدل الشعر والثورة"، ولكن مع بدء الانحراف السياسي عن برنامج الثورة فيما عرف لاحقا ببرنامج النقاط العشر، وحول بعض التحريفات النظرية لفكر الثورة العربية والعالمية عموما فقد أصدرت على التوالي: "مواجهات سياسية" ثم "في مواجهة عقلية التسوية" وبعده "البرنامج الفلسطيني بين نهجي التسوية والتحرير"، ثم "تاريخية الأزمة في حركة فتح"، ومع اشتداد حالة القمع في الساحتين الفلسطينية والعربية أصدرت على التوالي: "أدب السجون"، "الثقافة والديمقراطية" ، "المثقفون في الحصار" وعبر هذه المسيرة الدامية فقدت الكثير من الأحبة والأصدقاء المناضلين وساهمت في إصدار كتب عنهم: "كمال ناصر"، " ذكريات عن الشهيد كمال ناصر"،" الشهداء الثلاثة"، ماجد ابو شرار"، "أبو سلمى: زيتونة فلسطين"، "معين بسيسو"، "غسان كنفاني". وإثر عودتي إلى الأردن بداية التسعينات أصدرت "الثقافة العربية الفلسطينية في المواجهة"، "الأدباء العرب في مواجهة التحديات، حول: المثقف والسلطة"، "في مقاومة التطبيع الثقافي" ثم انشغلت بالرواية باعتبارها ديوان العرب الجديد فأصدرت على التوالي: "علامات على طريق الرواية في الأردن"،" روايات وروائيون من الأردن" ( بالإنكليزية)، "غالب هلسا، وببليوغرافيا مصادره الكتابية"، "التحولات في الرواية العربية"، وضمن انشغالي بقضية المرأة وروايتها، باعتبارها مثل فلسطين منطقة محتلة، أصدرت كتابي "تمرد الأنثى". وأنا الآن بصدد إصدار جديد عن إبداع المرأة يتناول القصة القصيرة والنص والشعر والرواية والمسرحية والدراما التلفزيونية.

من خلال عناوين كتبك أجد بينهما قاسما مشتركا وهو انشغالك بعلاقة المثقف بالسياسة ودور المثقف في المقاومة , ترى أما زلت ترى بأن للثقافة وللمثقفين ذلك الدور المؤثر والفاعل في صنع الأحداث وتوجيهها في ظل تغول العولمة وسيادة الفكر الاستهلاكي وانهيار أحلام المثقف العربي ؟

* السؤال كما أرى ينطلق افتراض وجود تراجع ملحوظ لدور المثقف العربي في التأثير على المجتمع، وهذا صحيح عموما، قياسا لدوره في مراحل سابقة، وفي أقطار أخرى.
ويرتبط ذلك بانقلاب مفهوم المثقف وتحوله على حالة نخبوية معزولة عن الناس.

إن الثقافة هي منظومة الأفكار والمعتقدات والإبداعات التي تصوغ وعي الجماعة وتحرضها باتجاه ممارسة فعل تغيير الواقع، وكما برز ذلك مثلا قبيل الثورة الفرنسية: كتابات فولتير، أفكار جان جاك روسو، تشريعات مونتسكيو، تحريضات توماس بين..الخ.. وعندنا مع بدايات عصر التنوير وانطلاق الأفكار الثورية والقومية والإصلاحية: جمال الدين الأفغاني، الشيخ محمد عبده، الكواكبي، ابن باديس، مصطفى كامل، ساطع الحصري، قاسم أمين، هدى شعراوي، الشعر، الأدب، الصحافة، الأحزاب المختلفة.. الخ..
ومرد ذلك يعود في ظني إلى شيوع مناخات الفكر الاستهلاكي، والبحث عن حلول فردية أمام أوضاع عامة صارمة يصعب تغييرها، في ظل حراسة آلة القمع وتغييب الديمقراطية، وحيث تحول المواطن العربي إلى مجرد آلة بحث عن الرغيف وإلى مجرد متفرج على الشاشة الصغيرة، لمتابعة المذبحة اليومية لأخيه العربي في فلسطين والعراق ولبنان.
فماذا يفعل الفرد الأعزل المدجج بالغضب والإحساس بالعار، والذي لا يجد من يوجهه سوى أمراء الظلام.. ماذا يفعل سوى أن يتزنر بالديناميت وينفجر في وجه ظلم العالم.
إن كل ذلك ورغم ما فيه من سلبيات ليس سوى بشائر ومقدمات سيليها بالضرورة اكتشاف لا جدوى الفعل الفردي الغاضب. ولا بد بالمقابل من بصياغة معادلة جديدة تقوم على سلاح العقيدة الواعية والمنظمة في مجابهة عقيدة السلاح، ولعل في التجربة اللبنانية في مواجهة الاحتلال أولا ثم العدوان ثانيا ما يشكل نموذجا يمكن أن يتجلى بأشكال مختلفة حسب طبيعة الصراع ووقائعه في كل قطر عربي، وهذا التجلي يقوم أساسا، على إعادة الاعتبار للفكر والعقيدة كما للكلمة والموسيقى والفنون عموماً في استنهاض الأمة . وبهذا يمكن للفعل الثقافي أن يعاود دوره في التأثير على حيوات الناس وصياغة وعي جديد لهم يشكل بوصلة نضال لزمن مختلف.





أستاذ نزيه أبو نضال عبر تجربتك الطويلة ومتابعاتك الثقافية ما هي أكثر عوائق الكتابة الشبابية؟

* لا أظن أن هناك ما يعيق مبدعاً حقيقياً شاباً كان أم كهلاً، لكن المشكل يتجلى بأن بعض المبتدئين وقبل أن تنضج تجربتهم يتعجلون النشر والوصول والشهرة، ويتوهمون أن تأخير ذلك بسبب وجود مؤامرة ما ، لكنني أظن أن كل منابر النشر ترحب بأي إبداع حقيقي بل هي بالفعل تحتاجه وتبحث عنه لكن ربما ليس بالجدية الكافية، ونحن في مجلة "تايكي" مثلا ننتظر بلهفة وصول أي كتابة إبداعية شابة لنشرها. ولكن الإبداع الحقيقي قليل دائماً.

ولكن مجلة "أقلام جديدة" قدمت كتابات كثيرة في الأعداد الأولى فهل هذا يدل على تجاهل أجيال شبابية في الماضي فأين العناية في الجيل الشبابي.

* لعلنا إذا تابعنا تجربة أقلام جديدة التي أتمنى لها النجاح والتوفيق سنجد الجواب: هل المشكلة في المبدعين أم في مجالات النشر، خاصة إذا كرست ا