نزار قباني قصيدة صباح الخير ايها المنفى

ما عدت في المنفى أحس بغربة
أو وحشة . .
أو أشتكي هذا الرحيل القاسيا
قد أصبح المنفى صديقي الغاليا
يأتي الى المقهى معي .
يقرا جرائده معي .
ويعد وجبات الطعام معي .
ويقيس بدلاتي . . وقمصاني . .
ويلبس نصف احذيتي معي .
ويحب آلاف النساء معي . .
ويمل من كل النساء معي . .
وينام ملء جفونه
وأنا أظل مع القصيدة صاحيا .

ما عدت في مدن الشمال ممزقا
متسكعا . .
متشردا . .
متهاويا . .
ما عدت في باريس أو في لندن
أمشي على ثلج الشوارع حافيا . .
ما عدت أركض في الحدائق عاريا . .
قد أصبح المنفى قميصا ثانيا .

للحب في المنفىمذاق آخر .
لضياعنا الليلي في (سوهو) مذاق آخر .
لشطائر (البيتزا ) مذاق آخر .
للبيرة الشقراء ، طعم آخر .
للقهوة السوداء ، طعم آخر .
للبرق والأمطار في أذنيك ، جرس آخر .
حتى جنون الحب حين نعيشه
في لندن .
ييدوا جنونا راقيا . . .

هل ممكن ؟
أن يصبح المنفى كأية زوجة
نختارها .
وتصير رائحة المراكب عادة
وتصير أهداب النساء صواريا ؟ . . .

هل ممكن ؟
أن يصبح المنفى أبي . . ومعلمتي . .
وثقافتي . . وتراثيا ؟ .
يصغي إلى (يا جارة الوادي معي) .
ولأم كلثوم معي .
ولصوت فيروز معي .
فأصير أزهارا . . وأشجارا . .
ونهرا جاريا . . .

شكرا لمنفاي الجميل . .فإنه
أهدى الي حضارة . . وخرائطا . . وموانثا . .
وقصائدا . . وقوافيا . . .

لم يكسر المنفى عظام أصابعي
أبدا . . ولم يخفض جبيني العاليا .
فلقد زرعت على الكواكب حنطة
وغرست فوق الأطلسي دواليا . . .

إن المسافة لا تخيف مراكبي
فإذا ابتعدت . .
فكي اكون الرائيا . .
ما دمت أكتب . . ليس عندي مشكل
فأنا أحدد وجهتي . . ومكانيا . .
أنا قادر أن أصنع الوطن الذي أختاره . .
بدقائق . .
وأشق فيه جداولا وسواقيا . .

لم تخترعني دولة . . أو سلطة
فأنا اخترعت قبيلتي . . وبلاديا . .

» نزار قباني قصيدة أبي
» نزار قباني قصيدة احلى خبر
» نزار قباني قصيدة التلميذ
» نزار قباني قصيدة الديـــك
» نزار قباني قصيدة حب 1993