سأكتفي بالبكاء الأخير...

المشاركات : 61 تاريخ التسجيل : 06/03/2010 العمر : 42

حتى عندما لا أكتب عن قضيّة تهويد القدس أتعذّب بسكوتي عنها. ألم في مكان ما من كياني لا يفارقني يذكّرني بها. أحياناً من قهري أهمّ بإلقاء ما جمعتُ من قصاصات و صور عنها، ثمّ أتدارك و أستعيدها من سلّة المهملات الموجودة عند قدمي مكتبي. أقوم بتمليس القصاصات بعد أن أكون في لحظة قهر قد ضغطتُ عليها في قبضة يدي.. و ألقيتُ بها كمشة من ورق.ـ
صعب عليّ أن أرمي بقصاصة عليها صور الأقصى، و سهل عليهم أن يرموا بالقدس نفسها وراء ظهورهم و يواصلوا الحياة. كلّ وجعي تختصره هذه المفارقة!ـ

الفلسطينيون أنفسهم الذين أصادفهم ممّن نجحوا في بناء مستقبل زاهر و آمن و أحيانا فاخر حدّ الإنفاق الفاحش على الأعراس و المباهج، ما رأيتهم يحملون هذه المأساة محملي. كأنّ فلسطين غدت قضيّة البؤساء من الفلسطينيين و السذّج من العرب. كأنّ ثمّة فلسطين للجيوب و أخرى للقلوب، و صدور لتلقّي الرصاص و أخرى لتقاسم النياشين.ـ

مذ وعيت مأساة فلسطين، و أنا أستحي أن أضحك أو أتعطّر أو أتبرّج أيام الانتفاضة أو الاجتياح الإسرائيلي. و مذ بدأت الكتابة و أنا أدافع عن الفلسطينيين بكلمتي، و أتقاسم معهم لقمتي، و أدفع في الغرب ثمن ولائي لهذه القضيّة، فمثلي لا أمل في حصوله على أية جائزة غربيّة. و في هذه الخسارة بالذات مكسبي و وجاهتي أمام التاريخ.ـ

في الواقع ما خسرته حقًّا هو الأمل. لذا بردت كلماتي و خَفَتَ صوت قلبي.ـ
أمامي صورة لمجندات إسرائيليات ينتهكن حرمة قاعة الصلاة في الحرم الإبراهيمي في الخليل، و يجلسن بأحذيتهن متربعات في ثلاث صفوف متراصّة، خلال أحد التدريبات العسكرية، و كأنّ "اسرائيل" قد ضاقت بغزاتها و لم تبق سوى المساجد لتنوب عن المدارس العسكرية و الثكنات. و ثمّة صورة أخرى لأصغر أسير في العالم، و هو يبكي في حضن جدّته لحظة مغادرته السجن لأول مرة مع والدته التي تمّ إطلاق سراحها مع عشرين أسيرة أخرى مقابل شريط فيديو.. للجندي شاليت. و صورة ثالثة لبيت مقدسي يغادره ساكنه العربي العجوز بينما مستوطنون يهود يدخلونه في مشهد عنيف رافعين علم اسرائيل.ـ
تمنّيت لو شاهدتم هذه الصور.. قبل أن أُلقي بها مجدّداً. ذلك أنّني هذه المرة لن أستعيدها من سلّة المهملات. سأكتفي بالبكاء الأخير.ـ

أحلام مستغانمي

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

» النداء الأخير _/
» نزار قباني قصيدة الأندلس الأخير