منتدى ماتريكس اربد
اهلآ بك صديقي الزائر
يتوجب عليك التسجيل للتمتع بخدمات المنتدى والدردشه
كل ما عليك فعله أن تقوم بالتسجيل وتفعيل اشتراكك بالمنتدى عن طريق الأميل
نتمنى لك وقتاً ممتعاً برفقتنا
رنا
منتدى ماتريكس اربد
اهلآ بك صديقي الزائر
يتوجب عليك التسجيل للتمتع بخدمات المنتدى والدردشه
كل ما عليك فعله أن تقوم بالتسجيل وتفعيل اشتراكك بالمنتدى عن طريق الأميل
نتمنى لك وقتاً ممتعاً برفقتنا
رنا
منتدى ماتريكس اربد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى ماتريكس اربد
 
الرئيسيةدردشة الماتريكسأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
المواضيع الأخيرة
» المنسي المظلوم
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الإثنين يناير 12, 2015 2:09 am من طرف نبراس جميل

» سوفت وير الي جميع انواع الرسيفرات
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الإثنين يونيو 09, 2014 10:39 pm من طرف aymananbar

» عودة ابو شيرين
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الأحد أبريل 20, 2014 4:39 pm من طرف عادل

» الوداع يا منتدى ماتركس اربد
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10السبت أبريل 19, 2014 4:28 pm من طرف عادل

» مصر تصرخ فهل من مجيب
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الأربعاء أغسطس 28, 2013 6:03 am من طرف سامي

» كل عام وانتم بخير
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10السبت أغسطس 17, 2013 6:17 am من طرف بنت الشمال

» صباح الخير
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10السبت أغسطس 17, 2013 6:15 am من طرف بنت الشمال

» للأسف وين غايبين
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10السبت يوليو 27, 2013 4:11 am من طرف سامي

» اين انت يا ابن عبد العزيز
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الخميس يوليو 18, 2013 7:08 am من طرف بنت الشمال

» صديق جديد يريد التعارف
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الأربعاء ديسمبر 05, 2012 8:02 pm من طرف سامي

»  هل من ترحيب
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الجمعة نوفمبر 02, 2012 10:38 pm من طرف سيد الاسمعلاوى

» خمسة أحجار كريمة
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الجمعة يناير 20, 2012 6:48 am من طرف ثلج الصحراء

» مسجات بتضحك
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الجمعة يناير 20, 2012 6:44 am من طرف ثلج الصحراء

» تعال هون تا قلك
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الجمعة يناير 20, 2012 6:38 am من طرف ثلج الصحراء

» كلمات في الهوى
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الجمعة يناير 20, 2012 6:31 am من طرف ثلج الصحراء

» الصياد وصل ياجماعة
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الجمعة يناير 20, 2012 6:29 am من طرف ثلج الصحراء

» ( المفتاح السحري للخشوع في الصلاة )
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الأربعاء ديسمبر 14, 2011 11:55 am من طرف الصياد

» عهد ووفاء للرمز القائد الشهيد ابوعمار
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الخميس ديسمبر 08, 2011 12:13 am من طرف احمد عصفور ابواياد

» سيرة الحبيب صلوات الله عليه
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الجمعة ديسمبر 02, 2011 4:51 am من طرف ثلج الصحراء

» انا جديد في المنتدى
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10السبت نوفمبر 26, 2011 11:15 am من طرف مقدادي وافتخر


 

 النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
محمد العمري

محمد العمري


المشاركات : 77
تاريخ التسجيل : 20/04/2010
العمر : 44

النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Empty
مُساهمةموضوع: النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري   النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10السبت مايو 22, 2010 4:07 pm

النص القرآني و آفاق الكتابة
أدونيس
أشير، أولاً، أنني أتكلم على الكتابة القرآنية بوصفها نصاً لغوياً، خارج كل بعد ديني، نظراً وممارسة: نصاً نقرؤه، كما نقرأ نصاً أدبياً. وأشير، ثانيا، إلى أنني لا أدخل في أي تساؤل حول المسافة بين وحيه وتبليغه، وتدوينه، ولا حول نزوله. وأضع جانبا كيفية التدوين، ومن دوّن، وظروف التدوين، والنقاش الذي دار حول هذا كله. وأشير، ثالثا، إلى أنني لا أدخل في الجدل التاريخي حول تسلسل السور أو النصوص: أهي متسلسلة وفقاً لنزولها أو لا. ولا أدخل كذلك في بناء السورة وتركيبها: هل فيها آيات نزلت في فترات متباينة، أم لا. ولا أدخل في بحث التباين بين النزول والكتابة. أكتفي، رابعاً، بالإشارة إلى أن النص القرآني نزل متقطعاً على امتداد ثلاث وعشرين سنة، تبعا للوقائع والأحداث ومقتضيات الحال، وإلى أنه كان يحفظ في الذاكرة، قبل تدوينه، وفي أثنائه، وقبل أن يتخذ هذا التدوين شكله الأخير في مصحف عثمان- الخليفة الثالث.

وربما أثارت عبارة "الكتابة القرآنية" تساؤلاً، ذلك أن القرآن نزل وحياً، وبلغ شفوياً. والكتابة عمل إنساني قام به أشخاص كلفوا به. والجواب عن هذا التساؤل هو أنني أتحدث عن النص القرآني كما دوّن، استناداً إلى سماعه من ناقله النبي الذي سمعه مباشرة من الوسيط بينه وبين الله: الملاك جبرائيل، مما تجمع عليه الروايات كلها.
2
يجيب النص القرآني عن أسئلة الوجود والأخلاق والمصير. وهو يجيب عن ذلك بشكل جمالي- فني، ولهذا يمكن وصفه بأنه نص لغوى- أعني لا بد لفهمه من فهم لغته أولاً. وهذه اللغة ليست مجرد مفردات وتراكيب، وإنما تحمل رؤيا معينة للإنسان والحياة، وللكون- أصلاً، وغيباً، ومآلاً.
وقد تجسّد هذا الشكل الجمالي في كتابة فاجأت العرب، بحيث أجمعوا على أنها فريدة، لم يروا مثلها، وعلى أنها لا تضاهى. وهكذا لم يعرفوا كيف يحددونها، استناداً إلى المعايير التي يعرفونها، فقالوا: إنها نثر لكنها ليست كمثل النثر، وإنها شعر لكنها ليست كمثل الشعر. وهي إذن كتابة أكثر من أن تنحصر في الشعر أو النثر. وقالوا: إنها كتابة لا توصف، وسر لا يمكن سبره. واتفقوا على إنها نقض لعادة الكتابة شعراً، وسجعاً، خطابة ورسالة، وأنها نوع من النظم في تركيب جديد.

وإذا أضيف إلى ذلك كون النص القرآني هو "جوامع الكلم "، كما جاء على لسان النبي، وأنه نوع من استعادة الوحي قبله، استناداً إلى حديث في صحيح البخاري يقول: "أنا والأنبياء أخوة"، بمعنى أن أمهاتهم متعددة، لكن دينهم واحد، واستناداً إلى الرواية القائلة إن ورقة بن نوفل، ابن عم زوجته خديجة، وصف ما أنزل على محمد بأنه "الناموس الذي نزله الله على موسى"- أقول، إذا أضفنا هذا كله، تتجلى لنا شدة المفاجأة اللغوية والمعرفية: التي مثلها هذا النص، بالنسبة إلى العرب، وكيف أن هذا النص يقدم نفسه على أنه الكون كله في كتاب، أو على أنه، كما وصف نفسه: الكتاب.
غير أن دهشة العرب الأولى، إزاء القرآن، كانت لغوية. فقد افتتنوا بلغته- جمالاً، وفناً. وكانت هذه اللغة المفتاح المباشر. الذي فتح الأبواب لدخول عالم النص القرآني، والإيمان بدين الإسلام. ولهذا لا يمكن الفصل، على أي مستوى، بين الإسلام واللغة. ويمكن القول إن المسلمين الأوائل الذين شكلوا النواة الصلبة الأولى للدعوة إلى الإسلام، آمنوا به أولاً بوصفه نصاً بيانياً امتلكهم: آمنوا به، لا لأنه كشف عن أسرار الكون، والإنسان، أو قدم لهم نظاماً جديداً للحياة، بل لأنهم رأوا فيه كتابة لا عهد لهم بما يشبهها. باللغة، تغير كيانهم من داخل، وباللغة تغيرت حياتهم. تاهوا معه- لغة وتعبيراً، فصار هو نفسه وجودهم. كأن اللغة هنا هي الإنسان، لا بوصفها أداة تصل بينه وبين العالم، بل بوصفها ماهية له.
3
وصف النص القرآني نفسه بأنه "قرآن عجب " (72: 1) لا من حيث لغته وحدها، بل أيضاً من حيث إجابته عن أسئلة الوجود والأخلاق والمصير. ووصف نفسه بأنه "الكتاب"- من حيث أنه مطلق اللغة، ومطلق الوجود، ومطلق المعنى. يتألف النص القرآني من سور، وتتألف السورة من آيات. والسورة لغة، هي المنزلة أو الرفعة. وهي كذلك ما حسن من البناء، وطال. وهي كل منزلة منه. وسمّيت السورة من النص القرآني سورة لأنها تتدرج منزلة منزلة، منقطعة عما يسبقها وعما يليها. أي أن لكل سورة مبتدأ وخاتمة، بهما تتميز عن غيرها. أما الآية فسميت بهذا الاسم، إما لأنها علامة تشير إلى وقف وانقطاع، وإما لأنها مجموعة من حروف القرآن. والسورة، من حيث البناء، مقطعة، متقطعة، مسجعة غالباً، ومقفاة أحياناً، خصوصاً في السور المكية. وهناك سور هي، على العكس، منتظمة، متواصلة، بأوزان متنوعة، وفقاً لإيقاعات تخرج على النظام الوزني. السورة، بشكل عام، مفتوحة كجزء محدود من فضاء غير محدود. إنها كمثل نجمة سابحة في سماء هي الكتاب. وكما أننا نستطيع أن نرى النجمة من جميع جهاتها المرئية، كذلك نستطيع أن نقرأ السورة من حيث شئنا. فهي لألأة وتوهج، أكثر مما هي معمار أحكمت هندسته من خارج. ويمكن أن نشبه السورة بأنها لوحة أو بساط باذخ من الكلمات، منتظمة في خطوط وأشكال وألوان، بتنوع وتعذب وتشابك. البياض بين آياتها جزء من هذا البساط، وهو بياض تكسوه علامة الوقف، الفاصلة بين الآية والآية. والصمت في قراءتها هو أيضاً جزء منها، لأنه يدخل بين الآية والآية بوصفه وفقا كذلك.
كأن السور بستان هو الكتاب، وكل منها باب له. بستان نقدر أن ندخل إليه من أي مكان شئنا، ومن أية جهة. بستان بلا تخوم، ذلك أنه هو تخوم الأشياء كلها. كتاب للكون، هو الكون كله، والسور صفحاته. أو لنقل: السور كمثل النجوم تتآلف كلها في الفلك الواحد: الكتاب. معظم السور بوتقة تنصهر فيها الخطبة والمثل والنشيد، الحوار والقصص والصلاة، عالم الحضور وعالم الغيب، في نسيج متواصل دون نقط وفواصل وأهلّة (تلك التي كان مالارميه يسميهما عكاكيز). والسورة من حيث بنيتها الموسيقية، خصوصاً السورة المكية، نظام إيقاعي خاص، حلله بيار كرابون دوكابرونا. ( ………) في كتابه المهم (……….) وكان في ذلك رائداً، لم يسبقه أحد، ولم يتابعه أحد، فيما أعلم.
رأى كرابون أن لبعض السور المكية (رقم 94، 92، 93) شكل الرباعية (……) ورأى أن بعضها يقوم على الترنيم ( ……..) وأن بعضها يقوم على مؤلفات موسيقية غير معهودة، وأن في بعضها أصواتاً كثيرة تتحدث إلى النبي، وأوزاناً متعددة (السور 74، 75، 76، 78، 81) كأنها حوارية أو مسرحية. ورأى في بعضها جملاً لا يربط بينها غير التجاور. وأن الإيقاع المهيمن يجيء من الوحدتين الوزنيتين: فاعلن، متفاعلن. ورأى أن لبعضها وزناً واحداً، وأن بعضها ثنائي الوزن، وبعضها متعدد الوزن، وأن بعضها (سورة 69) يتضمن خمسة عناصر وزنية. وفي أثناء تحليله الموسيقي، أشار إلى أن بعض السور قصصي يستعيد قصص التوراة، وإلى أن بعضها متأثر بالطرق الكتابية القديمة الكنعانية (سورة 72) التي يشبهها بالكائنات ( ……… ). ونشير هنا إلى أن موسيقى الشعر، كما عرفها العرب، أقل غنىً من موسيقى هذه السور. بهذه الموسيقى، تبدو اللغة كأنها نبض القلب، وحركة الجسد، وكأنها عناق حيّ مع حركة الكون. ولا تكمن البنية العميقة، في هذه الموسيقى، في التآلف بين حروف اللفظ المفرد وتناغمها وحسب، وإنما تكمن كذلك، وعلى نحو أخص في طبيعة العلاقة القائمة بين الكلمة والكلمة- أو في النظم. وليس الفكر هو الذي يعيننا على اكتناه هذه الموسيقى، وإنما تكمن طريقنا إليه في الحس والذوق. هكذا تتمثل البنية الداخلية العميقة للنص القرآني في موسيقية لغته. فالنص القرآني نغم، ويمكن أن نتكلم عليه بوصفه نغما. ولا تندرج أنغامه في تسق معين، أو نظام وزني ثابت، وهذا مما يجعلها حركية ومفتوحة.
4
ما الاسم الأدبي الذي يمكن أن نسفي به السورة؟
قبل الإجابة، أعيد طرح السؤال الأساس الذي طرحه النقاد العرب، إزاء النص القرآني، وهو التالي: أين مكان المزية في الكلام، أي في الكتابة؟ أو: ما الخصوصية التي لا تكون الكتابة كتابة إلا بها؟ سأقتصر على إيراد جواب أكثر النفاد العرب عمقاً وفهما، عنيت الجرجاني. فهو، بعد أن يقرر أن النص القرآني نقض لعادة الكتابة العربية، شعراً ونثراً، وبعد أن رأى أن المعايير التقويمية المعروفة لا تجدي في تقويمه، اقترح لتقويمه معياراً جديداً سماه النظم. وتعريف النظم أمر صعب- لكنه يحدده مع ذلك، يقوله إنه طريقة مخصوصة في نسق الكلمات بعضها مع بعض. أي هو نوع خاص من التأليف والترتيب، ومن النسج والصياغة.

ويشبّه النظم بالديباج. وتكمن خصوصيته إذن، لا في كونه ديباجاً، بل في كيفية ذهاب الخيوط ومجيئها في هذا الديباج- ماذا يذهب منها طولاً، وكيف؟ وماذا يذهب غرضاً، وكيف؟ وبم يبدأ، وبم يثنى، وبم يثلث، وكيف؟ وإذا كان النظم شبيهاً بالنسج والتأليف والصياغة والتحبير والبناء والوشي، فإنه يوجب في تقويمه النظر إلى أجزائه في تآلف بعضها مع بعض لكي نعرف الأسباب التي دعت إلى وضع أحدها حيث وضع، والتي اقتضته بحيث انه لو وضع في مكان آخر، لاختل النسج أو البناء كله. هكذا لا تتفاضل الكلمات من حيث هي ألفاظ مفردة، بل من حيث نسجها ودرجة التلاؤم بين معناها ومعنى اللفظة التي تسبقها واللفظة التي تليها. والنظم على هذا نوع من خلق تطابق محكم وتام بين اللفظ والمعنى. وخصوصيته تنتمي إلى حيز المعنى، أولياً، أي حيز الرؤيا والتجربة. أو لنقل، بتعبير الجرجاني، إن المزية في نظم الكلام "ليست حيث نسمع بالأذن، بل حيث ننظر بالقلب، ونستعين بالفكر" (الإعجاز، ص 51). وتتجسد هذه المزية، على نحو خاص، وعلى مستوى التعبير، في المجاز- استعارة وتمثيلاً، وفي النهاية. فالمجاز والكناية يتيحان للمعنى أن يتجلى في صور مختلفة، تجعله متنوع الأبعاد، متنوع الجمال. وعلى هذا فإن قيمة الصنيع الأدبي ليست في معناه بحد ذاته، بل في لفظه- حاملاً له، مفصحاً عنه. بل إن الشعر حين يفقد الحسن في لفظه ونظمه لا يستحق اسم الشعر (ص 198). ذلك أن اللفظ لا يوصف بالفصاحة من أجل جرسه وصداه، بل من أجل مزية في معناه. فالفصاحة لا تقال عن الألفاظ إلا بوصفها نظما.
باختصار، إن خصوصية الصنيع الأدبي هي في شكله (ص 255).
5
أعود إلى السؤال: ما الاسم الأدبي الذي يمكن أن نسمي به السورة؟ والجواب، انطلاقاً من القول إن خصوصية الصنيع الأدبي هي في شكله، هو أننا لا نقدر أن نسميها، أو أن علينا أن نبتكر لها اسما أدبياً خاصاً. فنحن لا نقدر أن نقول عنها إنها نثر، لأن فيها خصوصية بناء وتعبير، تميزها عن جميع أنواع النثر، بحيث لا ينطبق عليها اسم أي نوع من أنواعه. ولا نقدر أن نسميها شعراً، إذ ليس فيها أي استخدام للأصول التي تجعل منها شعراً، على الرغم من أنها تستخدم مختلف أنواع التعبير المجازي، ومختلف أشكال البيان والبلاغة. نضيف إلى ذلك أن في بناء بعض السور، وفي صيغها التعبيرية حرية عجيبة وكلية لا تجعل تصنيفها وحده داخل نوع أدبي أمراً متعذراً، و إنما تجعل فهمها، هو الآخر أيضاً، أمراً متعذراً. أكتفي، للتمثيل على ذلك ببدايات بعض السور المكية. فمنها ما يبدأ بحرفي واحد: ص، ق، ن. ومنها ما يبدأ بحرفين: حاء ميم، طاء هاء، طاء سين، ياء سين. ومنها ما يبدأ بثلاثة أحرف: ألف لام ميم، ألف لام راء، طاء سين ميم. ومنها ما يبدأ بأربعة أحرف: ألف لام ميم صاد، ألف لام ميم راء. ومنها ما يبدأ بخمسة أحرف كمثل سورة مريم: كاف هاء ياء عين صاد.
وجميع السور تبدأ بالعبارة: باسم الله الرحمن الرحيم، ما عدا سورة واحدة، هي التوبة (رقم 9). وفي هذا كله ما فرض شروطاً صعبة على من يتصدى لتفسير النص القرآني. فقد اشترط فيه أن يكون على معرفة عليا باللغة- نحواً، وصرفاً، واشتقاقاً، وبعلوم البلاغة، وبعلم القراءات، وبأصول الدين والفقه، وبأسباب النزول، وبالناسخ والمنسوخ من الآيات، وبالحديث النبوي، إضافة إلى اشتراط الذوق الرفيع، والإيمان العميق. وهذه شروط لا تتوفر إلا في الأقل الأندر من الناس.
6
هوذا، إذن، نجد أنفسنا أمام نص لا يسمى، أو لا تسمح معايير الأنواع الأدبية بتسميته. إنه نص لا يأخذ معياره من خارج، من قواعد ومبادئ محددة، وإنما معياره داخلي فيه. سيكون، إذن، اسمه الوحيد الاسم الذي سمى به نفسه وهو: الكتاب. أي أن الكتاب هنا اسم إلهي، أو هو اسمه لغة وكتابة ومعنى ذلك أنه مطلق: لا ندرك معناه، ولا يبدأ ولا ينتهي. وهو، بوصفه مطلقاً يتجلى في زمان ومكان، متحرك الدلالة، مفتوح بلا نهاية. إنه الأبدية المتزمنة. إنه ما وراء التاريخ الذي نستشفه ونقرؤه عبر التاريخ.
في الكتاب، في شكل كتابته، تنصهر الأفكار والأشياء، الحياة والأخلاق، الواقع والغيب. وهذا الشكل شبكة تتداخل خيوطها وتنحبك في علاقات متعددة، ومتنوعة، مفتوحة كالفضاء. إنه فن آخر من القول، وفن آخر للقول. فن في الكتابة، وفن في تكوين النص. كأنه نوع من فكر الكتابة يتبطن نوعاً من كتابة الفكر. أو لنقل: إنه، بوصفه نوعاً من كتابة المطلق، نوع من مطلق الكتابة. إنه الكتابة المطلقة لكتابة المطلق.
7
تفتح التجربة الصوفية أفقاً آخر لهذه الكتابة، في قراءتها وفهمها. وهي تعطي للنص القرآني أبعاداً غنية ومتنوعة يجدر الوقوف عندها، ولو بشكل سريع. ذلك أنها أساسية في إضاءة الدلالة الكيانية للغة وللكتابة معاً. النص القرآني، كما ترى إليه التجربة الصوفية، دال لغوى لمدلول هو الوجود. الأول هو رمز، والثاني مرموز إليه. فالكتاب هو كلمات الله التي توازي الوجود، وترمز إلى حقائقه، وتوازي الإنسان، وترمز إليه. إنه البرزخ بين الله والإنسان، بين المطلق والنسبي. والكلمة الإلهية: "كن " هي في آن قول- فعل. فليس الوجود إلا كلمات الله. هكذا تكون اللغة وجوداً، ويكون الوجود لغة. ويكون الكتاب هو نفسه الوجود من حيث أنه القول- أو اللغة ممثلة في الكلمة الإلهية: "كن". واللغة الإنسانية في هذا المنظور، منطوقة ومكتوبة، إنما هي تجل للغة الإلهية. أو هي الصورة الظاهرة للغة الإلهية الباطنة. وفي هذا ما يشير إلى خطورة الكتابة، وإلى أنها مسألة كيانية. نقول، بتعبير آخر، وفقاً للتجربة الصوفية، إن حقائق الممكنات هي الحروف الكامنة في الحبر، والورق وما يكتب فيه انبساط النور الوجود في العالم الذي تتعين فيه صور الموجودات، والكتابة هي سر الإظهار والإيجاد، والقلم هو الواسطة والآلة، والكاتب، بالمعني الأصلي الحق، هو الله من حيث كونه موجداً وبارئاً ومصوراً، له العلم الأولي، وله رؤية الممكنات. وهو كذلك الإنسان الكامل، بوصفه تجلياً له.
هكذا يكون للغة الكتاب ظاهر وباطن. الدلالة في ظاهر اللغة وضعية، عرفية، اتفاقية. والدلالة في باطنها، ذاتية. فهناك تعارض بينهما يزيله الإنسان الكامل، ذلك أنه البرزخ الجامع بين الظاهر (اللغة الإنسانية) والباطن (اللغة الإلهية).
ولا يقدر الإنسان أن يفهم هذه اللغة، بوصفها باطناً، إلا إذا تجاوزها بوصفها ظاهراً. ولا يقدر أن يحقق هذا التجاوز إلا إذا حقق في ذاته حالة عليا من الشفافية تصله بالمطلق، أو الغيب، بحيث يتحول إلى نفس إلهي. يدرك آنذاك أنه ليس هو، بوصفه فرداً، من يفكر، وإنما "يُفكَّر"، وليس هو من يكتب- بل النفس الإلهيّ. فهو ليس مفكراً وكاتباً، إلا بوصفه "مفكراً"و"مكتوباً". وفي هذا الأفق الصوفيّ، يمكن القول إن الكتاب، بوصفه مطلقاً، لا يبدأ ولا ينتهي، كما سبقت الإشارة إلى ذلك. فهو، في هذا الأفق، الله نفسه: كلي الظهور، وكلي البطون في آن. يرى ولا يرى في آن. يوصف ولا يوصف في آن. يفهم ولا يستنفذ في آن. وكل كتابة خارجه لا تقود إلا استحالة القول. هكذا يكون الكتاب لغة تعيد باستمرار خلق اللغة. لا تعود مجرد علامات وأدوات. اللغة هنا، لحظة هي أبجدية، إنما هي في الوقت نفسه كون وألوهة، أسرار وغيوب. إنها الشيء وما وراءه. إنها اللامتناهي: الأصل والمعاد. والكتاب هنا ضرورة، بوصفه كتابة، لكنه مصادفة بوصفه قراءة. لنقل، بتعبير آخر، إنه بوصفه الأول إحكام، وبوصفه الثاني، الهام.
ولا تكون الكتابة، في هذا الأفق، كتابة الحياة إلا لأنها كتابة الموت. كتابة الكائن من أجل الموت. كتابة التمحور حول الجذر، لا حول الثمرة، عبوراً إلى جسر الفاجعة- الحياة، جسر ا لزوال. وطبيعي أن الكتاب في هذا الأفق ليس ذاتياً، وأنه يعالج الأشياء بشمولها، لا بجزئياتها. إنه تعالق مع الكون لا مع الذات- لكن عبرها. كأن لما وراء الطبيعة طبيعة خاصة تفصح عنها، وهذه الطبيعة الخاصة هي الكتاب. هل نقول، في هذا الأفق، إن الكاتب هو ذلك الكائن المتخيل في ذلك الاتحاد الإلهي- الإنساني، باللغة وفيها؟ هل هو ذلك الضوء الجامع بين المرسل والمرسل إليه والمرسل؟ بين المطلق والتاريخ؟ هل الكاتب هو اللاكاتب؟ هل غيابه هو نفسه حضوره؟ وهل الكتابة المثلى هي التي تتم دون كاتب؟
8
أصل تما تقدم إلى الخلاصات التالية:
أولاً، إن النص القرآني يتجاوز الشخص: الله هو الذي أوحاه، ونقله إلى النبي ملاك، وبلغه النبي إلى الناس، ودونه كتاب الوحي. إنه عمل إلهي- إنساني. عمل كوني. وهو، بوصفه كذلك، محيط بلا نهاية، للمتخيل الجمعي.
وربما كان أعقد ما فيه، بوصفه كتابة، خلافاً لما يبدو ظاهرياً، هو أنه متابعة لما قبله وتكملة: إنه خاتمة النبوات، وخاتمة الكتابة. إنه، بمعنى ما، أنهى الكتابة. ذلك أنه لم يكتب الأثر الذي يولده الشيء، وفقاً لتعبير مالارميه، وإنما كتب الشيء ذاته. لهذا لا يطرح النص القرآني مسألة ما الشعر، أو ما النثر، وإنما يطرح السؤال: ما الكتابة، وما الكتاب؟ هكذا تقرأ النص القرآني بوصفه نصاً يجمع في بنيته أشكال الكتابة جميعاً. كأنه أعاد الأبجدية إلى فطرتها، قبل الكتابة، وفيما وراء الأنواع الكتابية. وكأنه وضع هذه الأنواع بين قوسين أو ألغاها، ليخلق نوع! آخر.
ثانياً، الدين واللغة في هذا النص شكل روحي واحد، أو بنية روحية واحدة. لهذا يتكون من الغامض الذي لا يمكن أن بعرفه الإنسان، ومن الواضح الذي يعرف مباشرة من ظاهـر اللفظ. فهو أفق مفتوح، لكن على الغيب.mmm
ثالثاً، البعد العميق في هذا النص بعد تراجيدي، لأنه بكشف عن الغياب والزوال والفناء، وعن أن الأرض ليست إلا جسراً نحو الغيب، وأن الإقامة عليها إنما هي إقامة من يرحل، لا من يستقر.
وما يعطي لهذا البعد، ثقله الكوني، هو أن هذا النص استعادة للنص التوراتي، كما أنزل على موسى، استعادة بالعربية، في الإسلام وباسمه، لكن لا لشعب خاص، بل للبشر جميعاً دون تمييز. إنه نص تذوب فيه النصوص الدينية كلها، ويطمح إلى أن يخلق من البشر كلهم أمة واحدة. ألهذا تذوب أشكال التعبير كلها في شكل تعبيري واحد، يمثله هو؟ وهل هو، بوصفه استعادة، كتابة تقول إن كل كتابة هي إعادة كتابة، لكن في سياقي آخر؟
رابعاً، نشأ مع النص القرآني، على الصعيد الإنساني، إنسان جديد، ونشأ معه، على الصعيد الأدبي الخالص، قارئ جديد، ونقد جديد، وذوق جديد. وهو، على هذا الصعيد الأدبي الخالص، طريقة في التعبير تلغي الفروقات التقليدية بين الفلسفة والأدب، وبين العلم والسياسة، وبين الأخلاق والجمال. إنه طريقة تخترق الأنواع، من حيث الشكل، وتخترق المقاربات المعرفية التقليدية، من حيث المنهج.

في هذا التهديم للفروقات بين الأنواع الأدبية، خاصية تفتح للكتابة أفقاً آخر، وتوفر لها إمكانات أخرى. إنه نموذج من الكتابة تتداخل فيه مختلف أنواع المعرفة- فلسفة وأخلاقاً، سياسة وتشريعاً، اجتماعاً واقتصاداً، وتتداخل فيه مختلف أنواع الكتابة الأدبية- سرداً وحواراً، قصص! وتاريخاً، حكمة وأدباً. انه في آن فلسفي أدبب اجتماعي تاريخي يجمع بين الطبيعة وما وراءها. وفي هذا ما يتيح للكاتب أن يعيد النظر في رؤياه للإنسان والعالم والكتابة. ولن تكون هذه الرؤيا إلا كونية وإنسانية. لن تكون إلا مزيداً من الاتجاه نحو الإنسان بوصفه إنساناً، فيما وراء كل عرقي ولون، وفيما وراء كل انتماء. ولن يكون فيها فرق بين الإنسان والإنسان إلا عمق التعبير عن هذه الرؤيا، وفي غناه وفرادته. إنه نمق- دعوة إلى كتابة جديدة برؤيا جديدة هي كتابة ما يمكن أن أسميه بالمجاز في اتجاه الآخر، بالمعنيين اللذين تتضمنهما هذه الكلمة: العبور إلى الإنسان، والتعبير عن هذا العبور بأحسن صورة.

خامساً، هذا النص مفتاح لفهم العالم الإسلامي. ولن يفهم أحذ المسلمين وتاريخهم، إذا كان يريد هذا الفهم، إلا بدءاً من استيعاب هذا النص، والإحاطة بمستوى العلاقة القائمة بينه وبين المسلم. دون ذلك سيظل المسلم غريباً، قطعاً، عن الآخر. ولا أعرف كيف يمكن الكتابة أن تكون إنسانية وكونية، مادامت لا تفهم الآخر، أو لا تريد أو لا تحاول أن تفهمه؟ وما تكون قيمة كتابة مغلقة، ومعزولة عن الآخر فالإنسان، خصوصاً في هذا العصر الكوني، لن يكون ذاته إلا بقدر ما يكون الآخر. فأن يكون الإنسان مواطناً حياً وحقيقياً في بلده، هو أن يكون مواطناً كونياً.

سادساً، لا أعرف ما تكون الصلة بين الكتاب، كما حاولت أن أتحدث عنه، والكتاب كما نظر إليه مالارميه. لكننا نعرف جميعاً أنه قبل أن يسمي مالارميه مشروعه الكتابي باسم الكتاب الذي أراد له أن يكون "أساس العالم وخلاصته "- قبل ذلك بحوالي أربعة عشر قرناً، كان هناك في اللغة العربية كتابة اسمها الكتاب، أساساً للعالم، وخلاصة له، وخاتماً للكلام. وثمة كتابات كثيرة بليت لا نزال نحملها في طريقنا نحو المجهول. فلماذا نستمر في حملها؟ هل نحن أسرى تقليد خانق، من نوع آخر؟ أليست مهمة الكاتب هي أولاً في سؤاله: ماذا آخذ مما سبقني؟ هل هذا القرن الذي يجيء يستدعي نوع! آخر من الكتابة؟ ذلك هو السؤال الذي أود أن يكون ختاماً لهذا البحث.

ملحق :
تساؤلات- تأملات
1
إذا كان النص، بمعنى ما، قراءته- أي كيفية قراءته، وكان مستواه تابعاً لمستوى هذه القراءة، دقة وفهما وغنىً، فإن للنص مستويات متعددة، تعدد قراءاته. انطلاقاً من ذلك، يمكن أن نطرح هذا السؤال: ما مستوى ا القراءة السائدة للنص القرآني؟ والجواب، كما يبدو لي، هو أن في هذه القراءة ما يشوش الأفق المعرفي الإسلامي، وفيها كذلك ما يقلص الرؤية إلى العالم والإنسان والأشياء. إنها بالأحرى قراءة لا تجعل من هذا النص أفقاً، بقدر ما تجعل منه نفقاً. والسبب في ذلك عائد إلى أمور كثيرة بينها، على الأخص، تغليب المنظور الشرعي، بحيث تبدو الشريعة أساساً وحيداً للفكر والعمل، للكون والأشياء. وهي في هذا قراءة تغلب، بالضرورة، المنظور الإيديولوجي- السياسي. هكذا يجد المسلم نفسه، وفقاً لهذه القراءة الشرعية- السياسية، محصوراً بين الشرعي والسياسي: تزول حريته، وتنطفئ كينونته من داخل، ويشعر أنه آلة تسيرها يد الشرع، أعني يد السياسة.
أليس الإسلام السائد اليوم، كما يبدو في قراءته السائدة، مجرد شرع وأنظمة سياسية؟ وما الكتابة التي يحاول أن يفرضها؟ إنها ليست إلا شكلاً من التعليم الذي يستمد، بشكل أو آخر، من النص القرآني بوصفه شرعاً وسياسة. وما نسميه الكاتب هنا ليس كاتباً وحسب، بل مشرّع أيضاً. وهو بوصفه مشرعاً، سياسي. وهكذا يمكن القول إن الكتابة في هذه القراءة السائدة للإسلام لا تكون فناً إلا بدءاً من كونها أخلاقاً، بالمعنى الذي تقره هذه القراءة، أي تديناً- علامته الأولى التمسك بالشرع والخضوع له.
إن القراءة السائدة للإسلام تستعيد هي أيضاً الفكرة السائدة في التوراة من أن "الله مشرع، وحام للشريعة وملك"،- وعلى الأرض أن تسير بمقتضى هذه "الهوية" التي يصف الله بها نفسه، أو يضفيها الإنسان عليه.
والسؤال الذي يجب أن يطرح في هذا الإطار هو: ماذا يفعل إنسان يرى أن الله ليس في المقام الأول مشرعاً، ولا حامياً للشريعة، ولا ملكاً- وإنما هو، في المقام الأول، جميل وكريم ومحب؟
وكيف يقدر هذا الإنسان أن يكتب، وماذا يكتب في عالم يحكمه الشرع وتقوده السياسة؟ نضيف أن النص القرآني لا يقرأ، على مستوى الجمهور الواسع، إلا سماعاً: نقلاً إيمانياً، أو غناء ترتيلياً. أليس في هذا كله ما يسمح بالقول إن القرآن، هذا النص المقدس، محجوب بهذا التقديس ذاته؟
2
يرى الجرجاتي أن للكتابة القرآنية خصائص لم تعرف قبل نزول القرآن. ويرى أنها لا تكمن في الكلمات المفردة- في جمال حروفها وأصواتها وأصدائها، ولا في معاني الكلمات المفردة، التي هي لها بوضع اللغة، ولا في تركيب الحركات والسكنات، ولا في المقاطع والفواصل. وإنما تكمن هذه الخصائص في النظم والتأليف- اللذين يقتضيان الاستعارة والكناية والتمثيل وسائر ضروب المجاز، فمن هذه يحدث النظم والتأليف، وبها يكونان (الإعجاز، ص 300).
ولا طريق لمعرفة هذه الخصائص إلا النظر، والفكر، والروية. خصوصاً، كما يتابع الجرجاني، أن "مثل واضع الكلام (الكاتب) مثل من يأخذ قطعاً من الذهب أو الفضة، فيذيب بعضها في بعض، حتى تصير قطعة واحدة... كالحلقة المفرغة، لا تقبل التقسيم (...) يصنع في الكلم ما يصنعه الصانع حين يأخذ كسراً من الذهب، فيذيبها ثم يصبها في قالب، ويخرجها لك سواراً أو خلخالاً. وإن أنت حاولت قطع بعض ألفاظ البيت (يشير الجرجاني هنا إلى بيت بشار بن برد: كأن مثار النقع فوق رؤوسنا/ وأسيافنا، ليل تهاوى كواكبه) عن بعض كنت كمن يكسر الحلقة ويفصم السوار. فالبيت من أوله إلى آخره كلام واحد... اتحدت معانيه، فصارت الألفاظ من أجل ذلك، كأنها لفظة واحدة" (الإعجاز ص 316- 317).
بناء على ما يقوله الجرجاني، يطيب لي أن أستطرد فأشير إلى التشابه اللافت بين ما تفرض الكتابة القرآنية قوله، وما قاله مالارميه حول الكتابة. ويجيء هذا التشابه من أن مالارميه كان يرى أنه، بوصفه كاتباً، ذات مطلقة تكتب الكتابة المطلقة المتمثلة في الكتاب. كأنه كان يعد نفسه خالقاً يخلق كتابة مطلقة خاصة لعالمه المطلق الخاص. ولا أريد أن أدخل، في تحليل هذا التشابه، وفي ما يقوله مالارميه عن الكتاب، وعن لا ذاتية الكتابة، فذلك شأن آخر.
لكن يبقى بين الكتابتين فارق جوهري: فاللغة في الكتابة القرآنية لا تصف: لا الشيء ولا الأثر الذي يحدثه (مالارميه)، وإنما تقول، بوصفها وحياً دينياً، الأشياء ذاتها. وهو قول نهائي، وخاتم القول. والإنسان يعرف هذه الأشياء، لا بالعودة إليها، بل بالعودة إلى هذا القول ذاته. فهي تعرف به، وحده. وليست "موجودة" إلا داخل هذا القول.
3
المتكلم في النص القرآني، بوصفه وحياً منزلاً، هو الله، وبوصفه نصاً مكتوباً- مقروءاً، هو الكلام الإلهي- أي اللغة. فنحن لكي نفهم النص، نطلب إلى لغته أن تحاورنا، وأن تكلمنا- فهي، بهذا المعنى، تتكلم معنا. الله أوحى، ولم يكتب. الإنسان هو الذي كتب. لكن، منذ أن دخل الوحي في الزمن وفي التاريخ، منذ أن أصبح الوحي موجوداً في لغة، منذ أن تحول إلى نص مكتوب، صار بوصفه كتابة، هو المتكلم، أي صارت اللغة هي الذات المتكلمة. ومن هنا أهمية إتقانها الإتقان العالي، لكي نقدر أن نصغي إليها، وأن نحاورها، وأن نفهمها. ومن هنا التوكيد على أبديتها، وعدم تغيرها- ذلك أنها هي كيانية النبوّة، وهي لسان الوحي.
4
على صعيد الكتابة، يقول لنا النص القرآني: ليس هناك فنياً نوع اسمه النثر، ونوع اسمه الشعر. يقول لنا: حيث يكون نظم للكلمات، تكون هناك إرادة فن، ويكون عمل كتابي فني. وليس للوزن، بحصر المعنى، مدخل في ذلك، إنها كتابة أكثر جذرية وأكثر شمولاً من أن تنحصر في وزن. فالوزن عنصر من خارج لا يدخل، بوصفه وزناً، في الصنيع الشعري. تولد الكتابة، وفي ولادتها ذاتها تولد قاعدتها.
كان شكل التعبير في النص القرآني العامل الحاسم في الاستجابة لمضمونه التعليمي. كأن اللغة هي التي فتحت للناس الأبواب لدين جديد هو الإسلام. في الرواية ألط الخليفة الثاني عمر آمن بالإسلام، عن طريق سماعه. قال: لما سمعت القرآن، رق له قلبي، فبكيت، ودخلني الإسلام ". وفي الرواية أنه قرأ شيئاً من سورة طه، فيما كان يندد بمن أسلموا، فقال: "ما أحسن هذا الكلام وأكرمه "، وأعلن إسلامه.
والوليد بن المغيرة أحد سادة قريش، قال لقريش لما سمع بعضاً منه: "والله، ما منكم رجل أعلم مني بالشعر، ولا برجزه ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن. والله، ما يشبه الذي يقوله شيئاً من هذا. والله إن لقوله حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو، وما يعلى". ثم تابع مكملاً: "إن هذا إلا سحر يؤثر. أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله، ومواليه " (السيرة لابن هشام). غير أنه، مع ذلك، استكبر، ولم يسلم. إن في هذا ما يشير إلى الأهمية القصوى لفعالية النص، سلباً أو إيجاباً، وإلى ضرورة دراستها خصوصاً ما اتصل منها بالعلاقة بين علم الجمال وعلم النفس. فتأثير النص فعال- يقرب، أو يبعد. وتلك هي مزية أولى في كل نص عظيم. هذا الدهش أمام النص القرآني أدى ببعضهم إلى القول: "أنا لا أقول في القرآن شيئاً" (سعيد بن المسيب).
5
على مستوى الرؤيا، وصف الوحي ا النص القرآني بأنه " ا لكتاب " و" ا لفرقان "، و"النور"، و" ا لهدى "، و" الرحمة " و" الشفاء " و" المبين " و" الموعظة "، و"البشير" و"النذير". ووصفه، على مستوى التعبير، قائلاً: "إنكم لفي قول مختلف " (الذاريات)، وأنه "قرآن عجب "- "استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً" (الجن). ولم ينزل القرآن بلا واسطة إلا مرة واحدة: حين عرج النبي إلى السماء، فأوحى الله إليه ما أوحى مباشرة. ومعنى ذلك أنه كلمه تكليما، كما كان الشأن، قبله، مع موسى. وفي الحديث أن النبي رأى الملاذ جبريل عندما جاءه في حراء "جالساً على كرسي بين الماء والأرض ". وفي الأخبار أن جبريل كان يأتيه بالوحي في أشكال أخرى. كان يأتيه بصورة رجل أعرابي، وهو جالس بين أصحابه، فيرونه ويسمعون كلامه دون أن يعرفوا أنه جبريل. وكان يأتيه في صوت كمثل قرع الجرس، حيث يلقى الوحي في خاطره. وكان يأتيه في صورة ملك له أجنحة.
وهناك إجماع ديني على أن النبي كان أمياً، لا يقرأ ولا يكتب. والوحي الذي كان يأتيه، كان يستقبله بوصفه حقيقة قائمة في ذاتها وبذاتها، باستقلال كامل عن فكره أو شعوره: كان مجرد ناقل أمين. وهناك إجماع على أن الآيات الأولى من سورة العلق هي الأولى التي نزلت على النبي: "اقرأ، باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ". وكان عمره أربعين سنة، وذلك في شهر آب، سنة 610 ميلادية.
أما آخر الآيات التي نزلت، فحولها خلاف. (انظر تفصيل لخلاف في كتاب الاتقان في علوم القرآن للسيوطي: 16/1-38

لا بد هنا من سؤالين أساسيين:
أ- كيف رتبت الآيات التي نزلت على مدى عشرين أو ثلاث وعشرين سنة (عشر سنوات في مكة، وعشر في المدينة)،- كيف رتبت في سور بلغت مئة وأربع عشرة؟ والجواب الذي تجمع عليه الأحاديث الخاصة بمسألة الترتيب هو أنه توقيفي، أي أن الرسول لم تكن له يد في ذلك، وكذلك الشأن، بالنسبة إلى صحابته. كان يتلقى ترتيب الآيات وحياً- بوساطة جبريل.
ب- السؤال الثاني هو كيف جمعت هذه الآيات في قرآن أو في مصحف؟ والجواب الذي تجمع عليه الأحاديث هو أنها جمعت في عهدين: عهد النبوة، وعهد الصحابة- الخلفاء الراشدين. وتم الجمع بطريقتين:
ا) الحفظ والاستظهار، 2) الكتابة والنقش.
وكان النبي رأس الطريقة الأولى. وكان جبريل يراجعه فيه، مرة كل سنة. وراجعه فيه مرتين في سنة وفاته. وفي الحديث أن النبي قال مرة لأبي موسى الأشعري يمتدح قراءته القرآن: "لقد أعطيت مزماراً من مزامير آل داوود" (البخاري).
أما الطريقة الثانية فقام بها كتاب الوحي. بينهم زيد بن ثابت وأبن بن كعب، وكان قبل إسلامه حبرا يهودياً، وهو الذي كتب كتاب الصلح لأهل بيت المقدس، وشارك في جمع القرآن في عهد الخليفة عثمان. وكان بينهم معاذ بن تجبل، ومعاوية بن أبي سفيان، والخلفاء الراشدون وكانوا يكتبون الآيات على جريد النخل (الغ!ب)، وصفائح الحجارة، وعلى الرقاع (الجلد، أو الورق)، والأقتاب (الخشب الذي يوضع على ظهر الجمل للركوب عليه) والعظام. وهناك إجماع على أن القرآن كتب كله في عهد الرسول، غير أنه لم يجمع في كتاب أو مصحف واحد، بشكله الأخير، إلا في عهد عثمان. ويروى أنه في عهد الخليفة الأول أبي بكر، اقترحت تسمية القرآن باسم "السفر"، فقال: ذلك اسم تسميه اليهود. فاقترحت تسميته باسم "المصحف " نقلاً عن تقليد الحبشة. وفي عهد عثمان، تعددت قراءات القرآن. كان أهل الشام يقرؤون قراءة أبي بن كعب، ويقرأ أهل الكوفة قراءة عبد الله بن مسعود. وكان غيرهم يقرأ قراءة أبي موسى الأشعري، حتى كاد اختلاف القراءات أن يتحوّل إلى نزاع وشقاق، وإلى أن يكفر بعض المسلمين بعض! آخر. هكذا وخد عثمان نسخ القرآن كلها في نسخة واحدة، وأمر بحرق كل ما عداها. وتم ذلك في سنة 25 للهجرة، وكان جمع أبي بكر له سنة 12 للهجرة. والكتاب الذين وضعوا النسخة الأخيرة المعروفة باسم مصحف عثمان هم أربعة: زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام. والثلاثة الأخيرون قرشيون بينما الأول من الأنصار، وقد قال لهم عثمان: إذا اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه نزل بلسانهم (صحيح البخاري 6/ 99). ربما اندفع بعض القراء بعد قراءة هذا كله وسأل: تلك بدهيات، فلماذا تكررها علينا؟ وجوابي هو: إن كونها بدهيات هو بالضبط ما يدفعني إلى أن أكررها. ؤ!يسمح لي أن أتابع فأقول: إن من البداهة لاستغلاقآ.
7
النص القرآني، بوصفه نصاً لغوياً، أشبه ببحر تتعانق أمواجه وتتداخل، في بداياته ونهاياته. البدايات تتموّج في الوسط والأطراف، والعكس صحيح. وهو، من ناحية الشكل، خلاصة لأشكال القول السابقة عليه: الشعر والخطابة والمثل والحكمة عند العرب قبل الإسلام، والكتابة البابلية- الكنعانية الآرامية، والكتابة التوراتية. وهو نص يتناول الأشياء كلها في الطبيعة وما وراءها. ولا يتردد في استعادة ما سبقه، وكتابته بشكل مختلف، واصفاً نفسه، في الوقت ذاته، بأنه خاتمة الرسالات النبوية، وخاتم الكلام، مقدماً نفسه بوصفه كتاباً شاملاً، كاملاً، أخيراً، وبوصفه بديلاً عن الكتب جمعاء. وهو، من حيث التقنية والبناء، يعتمد الحوار والسرد، الحكمة والمثل. وهو تشريع وتسبيح في آن. وفيه صفحات يمكن درسها بوصفها شعراً محضاً، و صفحات يمكن، النظر إليها بوصفها "أحسن القصص". ويمكن كل قارئ أن يستخلص منه رؤية معينة للشعر والفكر، ومفهوماً خاضاً للإنسان والكون، ومنهجاً واضحاً في النظر إلى الأخلاق والموت والحب، والطبيعة وما وراءها. والنص هنا لا ينمو خطياً، بل ينمو في فضاء متعدد الاتجاهات، متعدد الأبعاد، كمثل البنية الهندسية غير الاقليدسية. إنه الكتاب الذي ينطبق عليه وصف مالارميه للكتاب الذي حلم بكتابته: "ينبوع للحقيقة تشرب منه الإنسانية جمعاء" (المراسلات، الجزء الرابع، ص 87). وهو، بوصفه كتابة، يتجاوز السابقة عليه الدينية والدنيوية: يكتب الذين بلغة شعرية، ويكتب الدنيا بلغة دينية. وهو، في تمحوره أساساً على اللغة، يؤكد على أن الكائن هو، جوهرياً، لغة. هذا التمحور على اللغة هو مما يجعله، موضوعياً، نصاً أدبياً. وهو، بوصفه كتاباً، يلغي مفهوم الكاتب- الفرد. كأنه يقول: الكاتب جمع لا فرد.
طبيعي، والحالة هذه، ألا يشبه شيئاً خارجه، أن يكون جنساً كتابياً لذاته وفي ذاته: نثراً لا كالنثر، وشعراً لا كالشعر، وكتابة لا كالكتابة، ولغة لا كاللغة. إنه البداية والنهاية: كتابة في مستوى الكون.
8
ينقلنا هذا الكلام إلى الصعوبة التي واجهها المسلم في فهم النص القرآني. وأضرب مثلاً على هذه الصعوبة بأمرين: الأول مرتبط ببنية النص، والثاني مرتبط بقارئه. من الناحية الأولى، حار العرب في تفسير فواتح بعض السور. هذه الفواتح متنوعة. منها ما يبدأ بحرف واحد في ثلاث سور: صاد، وقاف، والقلم، إذ تبدأ هذه السور بهذه الحروف تباعاً: ص، قاف، نون. ومنها ما يبدأ بحرفين، وهي عشر سور. ومن هذه العشر سبع تبتدئ بالحرفين نفسيهما وهما: حم (حاء ميم) وهي: غافر، ا لمؤمن، فضلت، 1 لزخرف، 1 لدخان، 1 لجاثية، 1 لأحقاف. والثلاث الأخرى تبدأ بحرفين مختلفين: طه (طاء هاء) طس (طاء سين) ويس (ياء سين). ومنها ما يبدأ بثلاثة أحرف وهي ثلاث عشرة سورة، تبتدئ ست منها بالحروف ألف لام ميم (البقرة، آل عمران،
العنكبوت، الروم، لقمان، السجدة) وتبتدئ خمس منها بالحروف ألف لام راء، وهي يونس وهود ويوسف وإبراهيم، والحجر. وتبتدئ اثنتان بالحروف طاء سين ميم، وهما الشعراء والقصص. ومنها ما يبتدئ بأربعة أحرف: الأولى سورة الأعراف، وتبدأ ب: ألف لام ميم صاد، وسورة الرعد وتبدأ ب: ألف لام ميم راء. وهناك سورتان تبدآن بخمسة أحرف، الحروف في الأولى وهي سورة مريم موصولة، كاف هاء ياء عين صاد. والحروف في الثانية وهي الشورى متقطعة، وهي حاء ميم معاً ثم عين سين قاف معاً.
وجميع السور تتوجها بسم الله الرحمن الرحيم، ما عدا التوبة التي تخلو من هذا التتويج. ربما رأى بعضهم في هذه الحروف ما يذكر، على نحو أو آخر، بالحروف عند رامبو، في قصيدته المعروفة، لكن لا أدخل في هذا. وأقصر كلامي على حيرة العرب في تفسيرها، فقد ذهبوا في تأويلها مذاهب شتى، وانتهوا إلى الإقرار بغموضها وإلى أنها تحتمل تأويلات كثيرة، ذلك أنها "علم مستور، وسر محجوب " استأثر بهما الله وحده.
وأكتفي بالإشارة إلى بعض تأويلاتها.
يقول أهل السنة إن هذه الحروف إذا حسبت على "حساب الجمل" بعد حذف المكرر منها تتطابق مع القول: "صح طريقك مع السنة". ويقول أهل الشيعة إن هذه الحروف إذا حذف منها المكرر، تتطابق مع القول: "صراط عليّ حق". ويرى ابن عربي رأياً آخر. فهذه الحروف هي في رأيه مراتب، منها موصول، ومنها مقطوع، ومنها مفرد ومثنى ومجموع. فالمفرد يشير إلى فناء الإنسان الفرد، والجمع إشارة إلى الأبد. والإفراد للبحر الأزلي، والجمع للبحر الأبدي، والمثنى للبرزخ المحمدي الإنساني، والألف إشارة التوحيد، والميم إشارة إلى الملك الذي لا يبيد، واللام بينهما واسطة. ويقول آخرون إن هذه الحروف شبيهة بفواتح بعض القصائد. وأما في ما يتعلق بالقارئ فقد تعددت التفسيرات للنص القرآني. وقبل ذلك اشترط في من يفسر القرآن أن يكون على معرفة عليا باللغة العربية، وبنحوها، وصرفها، واشتقاقها، وبعلوم البلاغة، وبعلم القراءات، وبأصول الدين وأصول الفقه، وبأسباب النزول، وبالناسخ والمنسوخ، وبالحديث النبوي، وهذه شروط تقتفي من الإنسان أن يكون واسع الثقافة، عظيم الذوق، عميق الإيمان. وهي شروط لا تتوفر إلا في الأقل الأندر من البشر.
هكذا جاء التفسير متنوعاً، ويمكن حصره في ستة أنواع:
التفسير التقليدي القائم على المأثور، والتفسير بالرأي والاجتهاد، والتفسير ا لصوفي، والتفسير الفلسفي، والتفسير الفقهي، والتفسير العلمي، والتفسير الاجتماعي، والتفسير ا لأدبي.
9
هذا، بشكل عام، موقف الذين آمنوا بالنص القرآني. ولكي يكتمل الموقف من هذا النص، لا بد من الإشارة إلى الذين حاولوا أن يعارضوه أو أن يأتوا بمثله. بين هؤلاء من ادعى النبوة كمثل مسيلمة النجدي الذي كتب للنبي قائلاً: "شوركت في الأرض معك، لنا نصف الأرض ولقريش نصفها، لكن قريشاً قوم يعتدون". وكان يزعم أن له قرآناً نزل عليه بوساطة ملاك اسمه "رحمن ".
وبين هؤلاء الذين ادعوا النبوّة، عبهلة بن كعب الذي يقال له الأسود العنسي، وطليحة بن خويلد الأسدي، والنضر بن الحارث، وبينهم كذلك امرأة تدعى سجاح. وهناك أشخاص لم يدعوا النبوة، بل حاولوا معارضته. بينهم، كما يروى، الكاتب المشهور ابن المقفع، وشمس الدين قابوس ب! ؤ! مكير الديلمي، وابن الراوندي الذي يقال انه عارض القرآن في كل كتبه: الفريد، الزمردة، قضيب الذهب، المرجان- وهي كتب لم تصل إلينا. ومن قوله في كتابه "الفريد": "إن المسلمين احتجوا لنبوة نبيهم بالقرآن الذي تحدى به النبي، فلم يقدر على معارضته. فيقال لهم: أخبرونا، لو ادعى مدع من الفلاسفة مثل دعواكم في القرآن، فقال: الدليل على صدق بطليموس أو اقليدس أن اقليدس ادعى أن الخلق يعجزون عن أن يأتوا بمثل كتابه، أكانت نبؤته تثبت "؟. ويقال إن الشاعرين الكبيرين المتنبي والمعري حاولا كذلك أن يعارضا القرآن.
10
هذا النص الذي لا يرتبط بزمان أو مكان، بل هو لكل زمان ومكان، والذي لا يقتصر على موضوع دون آخر، وإئما هو كليّ، والذي ليس ذاتياً ولا موضوعياً، وإئما هو كوني، والذي ليس موجهاً إلى جماعة محددة، أو طبقة محددة، بل للبشر كلهم بوصفهم جماعة واحدة، وللإنسان بوصفه إنساناً، دون أي تمييز من أفي نوع، والذي لا "تنفد كلماته"، ولا تستنفد،- هذا النص كيف لا يزلزل مفهومنا للكتابة، وكيف لا يفتح أمامنا آفاقاً للكتابة، لا سابق لها، ولا حد لها؟
إنه يدعونا، بدئياً، إلى الإفلات من قيد التصنيف النوعي للكتابة. وإذ يفلت الكاتب من هذا القيد، ينحاز إلى الخيال الخلاق وحركية التأمل. ينحاز إلى اللجة، ويخلق نوعاً من الشواطئ المتحركة. ينحاز إلى طاقة اللغة- البداية الدائمة، التي هي كمثل حركة الموج استئناف دائم. ينحاز إلى اللغة- الحياة، أعني إلى الحياة- اللغة.
تخرج الكتابة من دائرة التخوم التي تقسمها أنواعاً، وتصبح الكلمات أشبه بالخطوط والألوان في اللوحة. وكما أن اللوحة لا تحدد بنوع معياري من خارج، بل تحدد بتكوينها ذاته، ضمن ذاتها، في تآلف ألوانها وخطوطها، كذلك يصبح النص الكتابي، لا يحدد من خارج بقاعدة ما، أو معيار ما، وإنما يحدد ببنيته ذاتها في تآلف كلماته، وفي نسجها. وهكذا يصبح لكل نص قانونه الخاص، إن كان لا بد من الكلام على قانون ما، ويصبح القانون تالياً للنص، ومنبثقاً منه. لا بد من أن تسير الكتابة العربية في هذا الأفق: كتابة تبتكر أشكالها فيما تنكتب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد العمري

محمد العمري


المشاركات : 77
تاريخ التسجيل : 20/04/2010
العمر : 44

النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Empty
مُساهمةموضوع: رد: النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري   النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10السبت مايو 22, 2010 4:09 pm

أنصح بقراءة هذا لبحث على دفعات ومحاولة فهمه فهو من أخطر وأقوى البحوث المتخصصة..نقلته لكم وقمت بالتعليق والشرح ما أمكنني ..أتمنى لكم عموم الفائدة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ثلج الصحراء

ثلج الصحراء


المشاركات : 2211
تاريخ التسجيل : 11/06/2010
العمر : 109

النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Empty
مُساهمةموضوع: رد: النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري   النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الخميس يوليو 22, 2010 7:08 pm

مشكور محمد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بنت الشمال

بنت الشمال


المشاركات : 1762
تاريخ التسجيل : 19/03/2010
العمر : 122

النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Empty
مُساهمةموضوع: رد: النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري   النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري Icon_m10الجمعة يوليو 23, 2010 4:02 am

يعطيك العافيه اخ محمد
وشكرا الك على الفائده
جزاك الله كل خير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
النص القرآني و آفاق الكتابة.... أدونيس...نقل وتعليق محمد العمري
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ورشة تدريبية لتطوير مهارات تعليم الكتابة في اللغة الانجليزية
» النص الكامل لقانون الضمان الإجتماعي المؤقت 1
» الإعجاز القرآني في الجبال
» الإعجاز القرآني في الزمن
» الإعجاز القرآني ( موج من فوقه موج )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى ماتريكس اربد :: المكتبة العامه :: الأبحاث والدراسات-
انتقل الى: